لا أن يكون دليلا عليه وعلى حرمة استعمال الغير المتغير لا بطلانه فافهم وأما كلام الاستبصار فيمكن حمله أيضا على ما حمل التهذيب عليه من القول بعدم النجاسة ووجوب النزح كما يشعر به أوايله حيث خص الكلام بوجوب النزح واستحبابه من دون تعرض للنجاسة وعدمها وحينئذ فرقه بين سبق العلم وعدمه ووجوب الإعادة في الأول دون الثاني كأنه بناء على أنه في صورة العلم يحرم استعماله فيرجع إلى النهي في العبادة إذا توضئ به فيبطل وأما إذا لم يعلم فلا يحرم فلا إعادة لكن ظاهر كلامه في مواضع منه نجاسته منها ما ذكره في بحث وقوع الخمر في البئر ولأن النجاسة معلومة بحصول الخمر فيها إلى غير ذلك إلا أن يرتكب تأويل والله أعلم فلو حمل مذهب الشيخ في الكتابين على ما ذكرنا يصير الأقوال في البئر خمسة ويحتمل سادسا أيضا ولو حمل على ما نسب إليه البعض فالأقوال ستة واحد منها يحتمل وجهين وهو مختار المنتهى والظاهر من جملتها القول بعدم النجاسة مطلقا واستحباب النزح أما عدم النجاسة مطلقا فللأصل والاستصحاب والعمومات المتقدمة في بحث القليل الدالة على عدم نجاسة الماء ما لم يتغير وقد عرفت إن المخصص لها إنما يخصصها في موارد مخصوصة وإنما يتعدى عنها بناء على عدم القول بالفصل وهو لا يجري ها هنا وإن كان كرا فيضم مع ذلك الروايات المستفيضة الدالة على عدم نجاسة الكر بدون التغير كما تقدم ويدل أيضا على أصل الحكم بخصوصه روايات منها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه من النجاسات والاستبصار في باب البئر يقع فيه ما يغير أحد أوصافه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر واعترض عليه في المعتبر بوجوه الأول إن في سنده حماد وهو مشترك بين الثقة وغيرها الثاني إن لفظ البئر يقع على النابعة والغدير فلعل السؤال عن بئر ماؤها محقون فيكون الأحاديث الدالة على نزح البئر من أعيان المنزوحات مختصة بالنابعة ويكون هذه متناولة لغيرها مما هو محقون الثالث إنه حديث واحد يعارضه كثير والكثرة إمارة الرجحان الرابع أنه يدل بصيغة ما العامة فيما لا يعقل فيكون الترجيح لجانب الأحاديث الدالة على أعيان المنزوحات تقديما للخاص على العام والجواب عن الأول إن ملاحظة الراوي والمروي عنه يورث الظن القوي بأنه حماد بن عيسى الثقة لتكرر مثل هذا السند مع التصريح فيه بابن عيسى والدلايل الرجالية مما لا يزيد على هذا وعن الثاني إن لفظ البئر حقيقة في النابعة للتبادر ولذا يحمل الاحكام الواردة فيه كلها عليا ولو سلم إطلاقه على غير النابعة أيضا فلا شك إن النابعة أشهر فرديها فحينئذ إطلاق القول وعدم التفصيل مع كون المراد الفرد الغير المشهور بعيد جدا وعن الثالث إن كثرة معارضه غير مسلمة إذ الروايات الكثيرة إنما هي في نزح البئر وهو لا يستلزم نجاسته مع أن هذه الرواية أيضا معاضدة بروايات كثيرة كما سنذكرها إنشاء الله تعالى وعن الرابع إن أحاديث النزح من أعيان المنزوحات ليست بمنافية له حتى يحمل عليها حملا للعام على الخاص لما مر من أن النزح لا يستلزم النجاسة لجواز أن يكون الغرض منه طيب الماء وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلك الأعيان فيه أو وجه آخر لا يصل إليه عقولنا وأيضا النزح على مذهبهم إنما هو في جميع النجاسات فحمل هذا الخبر عليها إنما هو بتخصيص ما وقع بالطاهرات ولا يخفى ما فيه من البعد ومنه ما رواه أيضا في البابين المذكورين في الصحيح عن معاوية أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الفارة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه فقال لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه واعترض عليه بجواز أن يخرج حية وفيه بعد ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة والاستدلال به من وجهين الأول من قوله (عليه السلام) لا يفسده شئ لأن الظاهر من الفساد في هذا المقام التنجس ولو تنزل عن الظهور فيه فلا شك أنه من إفراد الفساد وورود النفي عليه ظاهر في نفي جميع أفراده الثاني من قوله (عليه السلام) فينزح منه إلى آخره إذ على تقدير نجاسته بالملاقاة الظاهر أنه لا يكفي في التطهير عند التغير ذهاب الريح والطعم بل لا بد من استيفاء المقدر إذا كان زايدا عليه ومن نزح الجميع إذا كان مما يجب نزح الجميع منه على رأيهم ولا يخفى ما في هذا الخبر من المبالغات المؤيدة للمطلب من الوصف بالسعة ووجود المادة والتعليل والحصر واعترض عليه في المعتبر بأنه مكاتبة تضعف عن الدلالة وبأنه يحمل الفساد على فساد يوجب التعطيل كما قال النبي (صلى الله عليه وآله) المؤمن لا يخبث أي لا يصير في نفسه نجسا وكقول الرضا (عليه السلام) ماء الحمام لا يخبث مع أنه يجوز أن العرض له النجاسة وبأنه معارض برواية محمد بن إسماعيل أيضا وسنذكرها إنشاء الله تعالى في ضمن أدلة النجاسة وأجيب عن الأول بأن المكاتبة لا تقصر عن المشافهة مع أخبار العدل وجزمه بأنها من الإمام (عليه السلام) كيف والرسول (صلى الله عليه وآله) قد كان ينفذ رسله في المكاتبات فلو لم يكن حجة لما ساغ مع أنه ليس ما نحن فيه من المكاتبة لأنه جزم بأنه قال (عليه السلام) أنه كتب ورجاع الضمير إلى غير الإمام (عليه السلام) من الرجل المكتوب إليه بعد الظهور أن محمد بن إسماعيل أجل من أن ينقل مثل هذه المسألة عن غيره وأيضا سوق الكلام وقرب المرجع مما يؤيده الرجوع إليه (عليه السلام) وفيه نظر لان قول محمد بن إسماعيل قال من باب الارسال البتة لدلالة سابقة عليه صريحا وظاهر إن مع القرينة على الارسال لا يدل مثل هذا القول على أنه صادر على سبيل الجزم كيف ولو كان كذلك
(٢١٧)