في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ذبح طير فوقع بدمه في البئر فقال ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا وأقله العصفور ينزح منها دلوا واحدا وما سوى ذلك فيما بين هذين قال المحقق في المعتبر لا يقال هذا السند فطحية لنا نقول هذا حق لكن من الثقاة مع سلامته عن المعارض ثم هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا وقبول الخبر بين الأصحاب مع عدم الراد له يخرجه إلى كونه حجة فلا يعتد إذن بمخالف فيه ولو عدل إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به إلى الشاذ الذي ليس بمشهور وهو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمن لقوله (عليه السلام) خذ ما اجتمع عليه أصحابك واترك الشاذ الذي ليس بمشهور انتهى واعترض عليه صاحب المعالم بأن في هذا التوجيه نظرا واضحا لأنه إن كان الاجماع واقعا على مضمون الخبر كما يدل عليه قوله ولو عدل عنه إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به فهو الحجة ولا حاجة إلى التكلف الذي ذكره وإن لم يتحقق الاجماع الذي ينهض بانفراده حجة لم يكف الاعتبارات التي قربها في إثبات الحكم وقد أنكر حجية مثلها في مواضع فقناعته بها ها هنا لا يخلو عن غرابة ولا يذهب عليك إن مراد المحقق (ره) من الاجماع الشهرة كما يدل عليه قوله الشاذ الذي ليس بمشهور وما ذكره صاحب المعالم من أنه حينئذ لم تكف الاعتبارات إلى آخر ما قاله غير ظاهر إذ الظاهر أن وجود الرواية الغير الصحيحة خصوصا إذا كانت من الثقات مع عدم معارض لها وشهرتها بين الأصحاب جدا مما يكفي في ثبوت الحكم وإلا لا نسد باب العمل بأخبار الآحاد إلا نادرا إذ الأخبار الصحيحة أيضا مع وجود أدنى معارض لها أو مع عدم شهرتها بين الأصحاب شهرة عظيمة مما لا يزيد على هذه الرواية في إيراث الظن وظاهر إن مناط العمل حصول الظن لا كون الراوي عدلا إماميا وإن لم يحصل الظن برواته لان إثباته مما لا سبيل إليه وما نسب إلى المحقق (ره) من إنكار حجية مثلها في مواضع أيضا مما ليس بظاهر إذ إنكاره (ره) في المواضع أما لعدم تحقق الشهرة العظيمة وأما لوجود المعارض وأما لعدم الرواية بل اكتفى بمجرد الشهرة وبالجملة إنكاره (ره) في مثل ما نحن فيه غير ظاهر نعم يمكن أن يعترض عليه بأن سلامته من المعارض غير مسلم لان صحيحة محمد بن مسلم ورواية زرارة المتضمنتين لنزح عشرين للميتة مطلقا إنما تعارضانه إلا أن يقال هذه ليست بالمعارضة المرادة ها هنا لأنهما عامتان ورواية عمار خاصة والعام يجب حمله على الخاص كما هو المعمول والمعارضة المرادة ها هنا ما لم يجب حمل أحد المتعارضين فيها على الاخر لكن الحق إن وجوب حمل العام على الخاص فيما يمكن ارتكاب مجاز في الخاص ليس مخالفته للظاهر أشد من مخالفة التخصيص ليس بظاهر مع أن فيما نحن فيه لا ظهور للخاص في وجوب نزح سبعين وبالجملة التعويل في الحكم على الشهرة بين الأصحاب وعدم ظهور أدلة من القائلين بالنجاسة وأما نحن معاشر القايلين باستحباب النزح فالامر علينا سهل بحمد الله تعالى ثم اعلم إن المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر وقال ابن إدريس بالفرق وذهب إلى وجوب نزح الجميع للكافر واحتج بأن الكافر نجس فعند ملاقاته حيا يجب نزح البئر أجمع والموت لا يطهر فلا يزول وجوب نزح الماء وذكر أنه لو تمسك بعموم الانسان لكان معارضا بما ورد أنه إذا ارتمس الجنب في البئر نزح منها سبع دلاء فإنه يشترط فيه الاسلام إذ لا يقدم أحد من الأصحاب على القول في الجنب بنزح سبع دلاء ولو كان كافرا كما اشترط ها هنا الاسلام فكذا ثمة وأيضا قد خصص الكافر من العموم بالاجماع قال المحقق في المعتبر والجواب قوله ملاقاة الكافر موجبة لنزح الماء قلنا لا نسلم قوله أجمع الأصحاب قلنا هذه دعوى مجرده بل نحن نقول إنا لم نقف على فتوى بذلك فكيف يدعى الاجماع ولو قال ذكر الشيخ ذلك في المبسوط قلنا قوله في المبسوط ليس دليلا بمجرده فضلا أن يدعى به الاجماع ثم الشيخ لم يجزم بذلك لأنه يقول ما لم يرد فيه مقدر منصوص يجب منه نزح الماء احتياطا وإن قلنا بجواز أربعين دلوا للخبر كان سايغا غير أن الأحوط الأول والشيخ إنما صار إلى الاحتياط استظهارا لا قطعا ثم أنه علل إيجاب نزح الماء في الكافر لأنه لا دليل على مقدر ونحن نقول الدليل موجود لان لفظ الانسان إذا كان متناولا للكافر والمسلم جرى مجرى النطق بهما فإذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر لان الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النص وهذا كما نقول في الجواب عن الخنزير إذا وقع وخرج حيا فإنه لا يجب له أكثر من أربعين وإن كان لم يرد على عينه نص بل فحواه دل على ذلك فالشيخ (ره) لم يصر إلى إيجاب الكل إلا لتوهمه إن النص لا يدل بمفهومه على نفي ما زاد عن سبعين ولو قال سلمنا للعموم لكنه مخصوص قلنا تخصيص العموم بالاحتياط غير جايز وإنما يخص بالدليل القاطع أما الاحتياط فليس من مخصصات العموم في شئ لأنه إنما يصار إليه عند عدم الدليل والعموم دليل فيسقط الاحتياط معه وكذا المطلق دليل فلا يعتبر معه الاحتياط ومعارضته بالجنب غير واردة لأنا نجيب من وجوه أحدها إن الارتماس من الجنابة أنما يراد الطهارة فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة وهو المسلم ولهذا قال الشيخ في المبسوط ينزح منها سبعة دلاء ولم يطهر الثاني أن نقول أما أن يكون ها هنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على الكافر والمسلم وأما أن لا يكون فإن كان فالامتناع إنما هو لذلك الدليل وإن لم يكن قلنا بموجبه سواء كان مسلما أو كافرا فإنا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا والاستبعاد ليس حجة في بطلان المستبعد الوجه الثالث إن مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين وامتناعنا من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه إطراح العموم الاخر لأنا نتوهم لاحد العمومين مخصصا فالتوقف عنه إنما هو لهذا الوهم فإن صح وإلا قلنا به مطلقا فالالزام غير وارد ثم هذا ليس بنقض على مسئلتنا بل نقض على
(٢٢٤)