عدم انفعال مقدار الكر بملاقاة النجاسة مدخول لأنه من باب المفرد المحلي باللام وقد بين في المباحث الأصولية إن عمومه ليس من حيث كونه موضوعا لذلك على حد صيغ العموم وإنما هو باعتبار منافاة عدم إرادته الحكمة فيضان كلام الحكيم عنه وظاهر إن منافاة الحكمة حيث ينتفي احتمال العهد ولا ريب أن تقدم السؤال عن بعض أنواع الماهية عهد ظاهر وهو في محل النزاع واقع إذ النص متضمن للسؤال عن الماء المجتمع وحينئذ لا يبقى لاثبات الشمول لغير المعهود وجه وفيه نظر لأن الظاهر في أمثال هذه المواضع التي هو في مقام تقنين القوانين وتبيين الاحكام هو العموم وقد اعترف به أيضا من حيث منافاة عدم إرادته الحكمة وما ذكره من احتمال العهد باعتبار تقدم السؤال عن بعض أنواع الماهية لا وجه له لان السؤال إنما هو موجود في بعض الروايات وكثير من الروايات لا سؤال فيها وبعض ما فيه سؤال أيضا لا ظهور له و السؤال عن الماء المجتمع الذي لا اختلاف في سطوحه سلمنا عدم الظهور في العموم فلا شك في عدم الظهور في عدمه أيضا وعند الشك بني الحكم على أصل الطهارة و استصحابها ولو سلم الظهور في عدم العموم أيضا نقول قد مر سابقا أنه لا دليل على عموم نجاسة القليل سوى عدم القول بالفصل وهو ليس يحار ها هنا لوجود القول بالفصل لما عرفت من تصريح العلامة في التذكرة وصرح به أيضا المصنف في هذا الكتاب كما سيجئ وصرح به الشهيد الثاني في شرح الارشاد وهو الظاهر أيضا من إطلاق كلام المحقق وكلام العلامة في غير التذكرة وبما ذكرنا ظهر إن الاختلاف وإن كان بطريق التسنم من ميزاب أو نحوه لا بأس به وهو الظاهر من بعض إطلاقاتهم هذا وإن كان الكلام في المقام الثاني في اشتراط عدم الاختلاف الفاحش كالماء الذي يسيل من رأس جبل أو منارة أو نحوه وعدم اشتراطه فالظاهر أيضا بالنظر إلى الدليل عدم الاشتراط على قياس ما ذكرنا ولم نقف في كلام الأصحاب على نص ظاهر وإطلاق كلامهم في عدم اعتبار المساواة يمكن أن يكون محمولا على المتعارف وقد يستبعد على تقدير عدم الاشتراط حيث يلزم أن لا ينجس الماء الذي يصب من آنية على رأس منارة ويتصل أسفله بماء يبلغ وحده الكر أو مع ما في الآنية وكذا يلزم تطهر الماء المذكور إذا كان نجسا باتصاله تحت المنارة بالكثير وكذا يلزم تطهر الاناء وفي الجميع ولا يخفي أن الالزام الأول متجه وقد نلتزمه والاستبعاد في أمثال هذه المواضع لا عبرة به وأما الالزامان الأخيران فإنما يتجهان على من يكتفي في تطهير الماء بالاتصال بالكثير كيف كان سواء كان الكثير أعلى أو أسفل وأما على ما نميل إليه من اشتراط الامتزاج فلا وكذا لو لم يشترط الامتزاج لكن اشترط علو المطهر أو مساواته وأما المقام الثالث فالظاهر أيضا من إطلاق كلام المحقق كما ذكرنا وكذا من كلام العلامة في التحرير والمنتهى والنهاية تقوى الاعلى بالأسفل وإليه ذهب الشهيد الثاني (ره) لكن صرح العلامة في التذكرة بعدم تقوية به وقد صرح به أيضا المصنف في هذا الكتاب وفي الذكرى والبيان وكذا المحقق الشيخ علي (ره) والظاهر هو الأول لما ذكرنا آنفا واحتج المحقق والشيخ علي على عدم التقوى بأن الأسفل والأعلى لو اتحد في الحكم للزم تنجيس كل أعلى متصل بأسفل مع القلة وهو معلوم البطلان وحيث لم ينجس بنجاسته لم يطهر بطهره وأجيب بمنع اللزوم بيانه إن القول بتقوى الاعلى بالأسفل أما لكونهما ماء واحدا مندرجا تحت عموم إذا كان الماء كرا أو لعدم دليل على تنجسه بناء على عدم عموم أدلة انفعال القليل كما ذكرنا فإن كان الأول فإنما يلزم ما ذكره لو ثبت إن كل ماء واحد قليل ينجس جميعا بنجاسته بعض منه وإن كان أسفل من بعض آخر ولم يثبت لما عرفت من عدم دليل عام على انفعال القليل وعلى تقدير وجوده نقول إنه مخصص بغير صورة النزاع للاجماع على عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الاعلى وذلك الاجماع لا يستلزم خروج الأسفل والأعلى من الوحدة كما لا يخفى وقس عليه الحال في نجاسة أسفل الكثير بالتغير وعدم نجاسة ما فوقه وإن كان الثاني فالامر أظهر وقد ألزم على القول بعدم التقوى بنجاسة كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر إذا لم يكن فوقه كر أو إن كان نهرا عظيما وهو معلوم البطلان ويكون الجواب بمنع معلومية بطلانه لا بد له من دليل وقد أجاب أيضا صاحب المعالم (ره) بقوله ويمكن دفعه بالتزام عدم انفعال ما بعد عن موضع الملاقاة بمجردها لعدم الدليل عليه إذا لأدلة على انفعال ما نقص عن الكر بالملاقاة مختصة بالمجتمع والمتقارب وليس مجرد الاتصال بالنجس موجبا للانفعال في نظر الشارع وإلا نجس الاعلى بنجاسة الأسفل لصدق الاتصال حينئذ وهو منتفي قطعا وإذا لم يكن لاتصال بمجرده موجبا يسريان بالانفعال فلا بد في الحكم بنجاسة البعيد من دليل نعم جريان الماء النجس يقتضي نجاسة ما يصل إليه فإذا استوعب الاجزاء المنحدرة نجسها وإن كثرت ولا تعد في ذلك فإنها لعدم استواء سطحها بمنزلة المنفصل فكما أنه ينجس بملاقاة النجاسة له وإن قلت وكان مجموعه في غاية الكثرة فكذا هذه انتهى وفيه نظر ظاهر لأنه بعد تسليم انفعال ما نقص عن الكر بالملاقاة مع الاجماع والتقارب لا شك إنه يلزم نجاسة جميع ماء النهر المذكور لأن النجاسة ملاق لبعضه وذلك البعض ملاق للبعض الاخر القريب منه وهكذا فينجس الجميع إذ الظاهر أن القائلين بنجاسة القليل بالملاقاة لا يفرقون بين النجاسة والمتنجس وما ذكره من أن مجرد الاتصال بالنجس لو كان موجبا للانفعال في نظر الشارع لنجس الاعلى بنجاسة الأسفل ففيه إنه مخصص عن العموم بالاجماع فالحاق ما عداه به مما لا دليل عليه قياس لا نقول به على أن الفارق أيضا موجود كما ذكره بعض من عدم تعقل سريان النجاسة إلى الاعلى ثم إعلم إن الشهيد الثاني (ره) قد أخذ تناقضا في هذا المقام على جمع من المتأخرين منهم المصنف (ره) والمحقق الشيخ علي (ره) بيانه أنه ذكر أنهم قالوا إن الماء الجاري إذا تغير بعضه بالنجاسة ولم يشترط الكرية فيه فإنما ينجس المتغير خاصة دون ما فوقه وما تحته إلا أن يستوعب التغير عمود الماء وأما إذا اشترط الكرية أو كان الجاري لا عن مادة ولاقته نجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إن كان جميعهما كرا إلا مع تغير بعض الكر فينجس الأسفل أو مع استيعاب التغير ما بين الحافتين فيشترط في طهارة الأسفل كريته وهذا القول إنما يستلزم تقوى الاعلى بالأسفل وإلا للزم الحكم بنجاسة الأسفل مطلقا إلا إذا كان
(٢٠١)