وخصوص مطلق فيجب أن يخصص العام ولو جعل مراده من العموم عموم حسنة محمد بن ميسر ففيه أنه لا معارضة حينئذ من وجه بل التعارض بينهما كلي ويمكن أن يقال مراده عموم رواية البئر إذ التعليل بناء على عمومه بمنزلة إن كل ذي مادة لا ينجس بالملاقاة وهذا شامل للقليل وغيره وعموم المفهوم إن كل قليل ينجس بالملاقاة وهو أعم من ذي مادة وغيره فيحصل بينهما عموم من وجه فحينئذ يظهر وجه ترجيح آخر لان تقييد العام الأول بالكثير مما يخرجه عن الفايدة لان الكثير لا حاجة له إلى المادة هذا ولو احتج للعلامة بالروايات الدالة بالمنطوق على نجاسة القليل ففيه أيضا أنها لا عموم لها أصلا سوى صحيحة علي المتضمنة لدخول الدجاجة في الماء وقد عرفت المناقشة في عمومها أيضا في بحث وقوع ما لا يدركه الطرف من الدم ولو سلم العموم فلا نسلم ظهورها في النجاسة ولو سلم فإثبات الحكم بمجردها مشكل سيما مع عدم عمل الأصحاب بمضمونها فيما نحن فيه وقس عليه الحال في نظاير هذا الموضع (ولو تغير بعضه نجس دون ما فوقه وما تحته إلا أن ينقص ما تحت النجاسة عن الكر ويستوعب التغير عمود الماء) وهو خط مما بين جانبيه عرضا وعمقا (فينجس التغير وما تحته) لا خفاء في هذه الأحكام إلا فيما ذكره من أن عند نقصان ما تحته عن الكر واستيعاب التغير عمود الماء ينجس المتغير وما تحته وهذا الحكم وإن كان مشهورا فيما بين المتأخرين لكن ليس له وجه ظاهر إذ ما يتخيل أنه حينئذ ينقطع اتصاله بما فوق فيصير في حكم القليل ليس بمسلم إذ الانقطاع إنما يحصل بانقطاع الماء وعدم جريانه إليه بالاتصال وفيما نحن فيه ليس كذلك إذ الماء يجري إلى ما تحت غايته أنه في البين ماء نجس والحاصل أن الأصل الطهارة وعموم دلايل انفعال القليل قد عرفت حاله فلا بد في نجاسة هذا الماء من دليل ولا دليل عليه اللهم إلا أن يتمسك بالشهرة أو عدم القول بالفصل وفي الكل نظر لكن الاحتياط فيه واعلم إن العلامة (ره) أنه اشترط الكرية في الجاري أطلق القول في جملة من كتبه عند تغير البعض إذا كان كثيرا باختصاص النجاسة بالمتغير دون ما فوقه وما تحته وهذا بظاهره يعطي الحكم بعدم اشتراط مساواة السطوح في الكر وتقوى الاعلى بالأسفل إذ لو لم يكن ذلك لما كان الحكم صحيحا على إطلاقه بل فيه تفصيل لا يخفى لكنه صرح في بعض كتبه بعدم تقوى الاعلى بالأسفل كما نقلنا سابقا عن التذكرة فكلامه هذا أما رجوع عما في التذكرة أو إجمال في الكلام إحالة على أنه يعلم تفصيله بالتأمل في مقتضى الأصول التي تقرر عنده أو أنه يرى في الجاري خصوصيته لا يرى في غيره بناء على أن الغالب فيه عدم الاستواء فلو اعتبرت المساواة وعدم تقوى الاعلى بالأسفل للزم الحكم بتنجس الأنهار العظيمة بملاقاة النجاسة أوايلها التي لا يبلغ مقدار الكر ولو بضم ما فوقها وذلك معلوم الانتفاء (وطهره بتدافعه حتى يزول التغير) الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب ويريده الرواية التي سنذكرها إنشاء الله تعالى في بحث الحمام من أن ماء النهر يطهر بعضه بعضا والعلامة (ره) مع القول باشتراط الكرية أطلق هذا الحكم واستشكل عليه أنه إذا استوعب التغير جميع الماء أو بقدر ما يكون الباقي منه أقل من كر يلزم أن لا يطهر ذلك الماء إلا بمطهر من خارج وإن كان عينا عظيما جدا وهو منتف البتة لان ما يخرج من المنبع ليس بكر فيتحسن بالملاقاة وهكذا إلا أن يكتفي بخروج الكر دفعة عرفية ومع هذا أيضا لا يرتفع الاشكال إذ يلزم أن لا يطهر العين الذي في كمال القوة والغلبة إذ لم يخرج بقدر الكر دفعة عرفية وهذا أيضا معلوم الانتفاء وقد أشرنا إليه أيضا سابقا وقد يجعل هذا من الشواهد على بطلان اشتراط الكريه لاستلزامه هذه المفسدة وللعلامة أن يلتزمها ويدعي عدم فسادها لكنه بعيد جدا أو يحكم بخروج هذا الفرد من الكلية واعلم إن اشتراط التدافع حتى يزول التغير إنما هو على رأي من يعتبر الممازجة كالمصنف وأما من يكتفي بالاتصال فالظاهر على رأيه كفاية زوال التغير وإن لم يحصل التدافع وقد نسب إلى بعض القائلين بالاتصال عدم كفايته ها هنا نظرا إلى أن الاتصال الذي يكتفي به في التطهير هو الحاصل بطريق العلو أو المساواة وليس بمتحقق ها هنا لان المادة باعتبار خروجها من الأرض لا يكون إلا أسفل منه ولا يخفى أنه على تقدير تمامه إنما يتم في بعض الصور إذ ليس في جميعها كذلك والأولى اعتبار التدافع والتمازج وعدم الاكتفاء بالاتصال وقد ظهر وجهه فيما سبق (ولا يشترط فيه الكرية على الأصح) قد تقدم القول فيه (نعم يشترط دوام النبع) قد تبع الشيخ جمال الدين ابن فهد أيضا في الموجز المصنف في هذا الشرط واشتبه الامر في أن المراد منه ماذا فقال بعضهم إن المراد بالدوام عدم الانقطاع في أثناء الزمان ككثير من المياه التي يخرج زمن الشتاء وينقطع بالصيف وهذا غريب جدا إذ لا دليل عليه من الاخبار ولا يصاعده الاعتبار ولأنه إن أريد به ما يعم الزمان كله فلا ريب في بطلانه إذ لا سبيل إلى العلم به وإن خصص ببعضها فمحض تحكم وقد قال المحقق الشيخ (ره) في بعض فوائده إن أكثر المتأخرين عن الشهيد (ره) لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه وهو منزه عن أن يذهب إلى مثله فإنه تقييد لاطلاق النص بمجرد الاستحسان وهو أفحش أغلاط الفقهاء وبالغ في توجيه فساده حتى قال أنه ليس محط نظر فقيه فيحتاج إلى الكلام عليه والاعتناء به وإنما قصد بذلك الإشارة إلى خطائه ليتجنبه ذو البصائر ثم أنه (ره) حمله على معنى آخر وهو أن المراد بدوام النبع استمرار محال الملاقاة بالنجاسة وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر من اللفظ في الجملة لكنه صواب إذ عند عدم استمراره حال ملاقاة النجاسة يكون بمنزلة الماء القليل وإن كان في بعض الصور للتأمل مجال وهو ما إذا كان نبعه من الأرض بطريق الترشح ويكون انقطاعه آنا فآنا بحيث لا يتراخى زمان معتد به بين القطع والنبع إذ حينئذ الجزم بدخوله تحت القليل وبشمول أدلة نجاسته بالملاقاة له مشكل لما عرفت أن تعميم هذه
(٢٠٦)