الأدلة بحسب عدم القول بالفرق وهو فيما نحن فيه غير معلوم وإن كان الأولى رعاية عدم الانقطاع حال الملاقاة ولا يخفى أيضا أن هذا الشرط مما لا يحتاج إليه لان اشتراط الجريان مغن عنه لأنهما على هذا يتحدان في آمال إلا أن يقال إن مثل هذا الماء الذي فرضنا إنما يطلق أيضا عليه في العرف الجاري وإن كان حال انقطاعه فالتصريح بهذا الشرط لئلا يتوهم شمول الحكم له في جميع الأوقات ثم إن في مثل هذا الماء الذي فرضنا لو علم انقطاعه حال فالحال كما عرفت وإن علم الاستمرار فلا يصير نجسا للدلايل التي ذكرناها وإن شك في الانقطاع والاستمرار فيكون حكمه كما إذا شك في الكرية والظاهر فيه كما أشرنا إليه في بحث تحديد الكر الطهارة بناء على الأصل ثم إن صاحب المعالم (ره) بعد نقله ما نقلنا عن المحقق الثاني (ره) في توجيه كلام المصنف قال وهو حسن وتقريبه أن عدم الانفعال بالملاقاة في قليل الجاري معلق بوجود المادة كما علمت فلا بد في الحكم بعدم الانفعال فيه من العلم بوجودها حال ملاقاة النجاسة وربما يتخلف ذلك في بعض أفراد النابع كالقليل الذي يخرج بطريق الترشح فإن العلم بوجود المادة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل لأنه يترشح آنا فآنا فليس له فيما بين الزمانين مادة وهذا يقتضي الشك في وجودها عند الملاقاة فلا يعلم حصول الشرط واللازم من ذلك الحكم بالانفعال بها عملا بعموم ما دل على انفعال القليل لسلامته حينئذ من معارضة المادة ولا يخفى أن اشتراط استمرار النبع يخرج مثل هذا ولولاه لكان داخلا في عموم النابع لصدق اسمه عليه وهذا التقريب وإن اقتضى تصحيح الاشتراط المذكور في الجملة إلا أنه ليس بحاسم لمادة الاشكال من حيث إن ما هذا شأنه في عدم العلم بوجود المادة له عند الملاقاة ربما حصل له في بعض الأوقات قوة بحيث يظهر فيه أثر وجود المادة واللازم حينئذ عدم انفعاله مع أن ظاهر الشرط يقتضي نجاسته ويمكن أن يقال إن الشرط ينزل على الغالب من عدم العلم بوجود المادة في مثله وقت الملاقاة ويكون حكم ذلك الفرد النادر محالا على الاعتبار وهو شاهد بمساواته للمستمر انتهى ولا يذهب عليك إن الظاهر منه أنه حمل كلام المحقق المذكور على أنه يجب أن يكون الجاري ما دام موجودا بحيث يعلم في كل أن مما تلاقيه نجاسة إن له مادة أي أنه نابع في هذا الان غير منقطع بناء على أنه يشترط وجود المادة في عدم الانفعال وما لم يعلم حصول الشرط يحكم بالانفعال وفيه نظر من وجوه الأول أن حمل كلام المحقق عليه بعيد جدا إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه بل ظاهره ما ذكرنا من أن الشرط الاستمرار حال الملاقاة والحكم بوجود الشرط وعدمه والشك فيهما مسألة أخرى لا دخل لها بهذا المقام الثاني إن ما ذكره من أن عدم الانفعال معلق بوجود المادة فلا بد في عدم الانفعال من العلم بوجودها غير ظاهر كما أشرنا إليه في بحث تحديد الكر وأيضا تعليقه على وجود المادة لا دليل عليه إذ العمدة في عدم الانفعال ما ذكرنا لا رواية البئر المتضمنة للمادة لما عرفت من ورود الايراد عليه الثالث أن تعليل عدم العلم بوجود المادة لهذا الماء بأنه يترشح آنا فآنا فليس له بين الأنين مادة مما لا حاجة إليه إذ لا يعلم وجود المادة لمثل هذا الماء بمعنى وجود كر من الماء يجئ هو منه أصلا وإن كان في آن الترشح أيضا وهو ظاهر لكن هذا ليس إيرادا عليه في الحقيقة إذ إمكان التعليل بوجه آخر لا يقدح في صحة تعليله واختيار هذا الوجه كأنه لظهوره الرابع أن بعد أخذ العلم لا حاجة إلى أن يقال أنه لا بد أن يعلم في كل آن من آنات وجود الماء أنه نابع غير منقطع حتى يرد اعتراضه الذي أورده ويحتاج إلى أن يتكلف في جوابه بما تكلف بل يكفي أن يقال أنه يشترط العلم بوجود المادة حين الملاقاة وعلى هذا الاعتراض كما لا يخفى (ولو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إن كان جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير) هذا هو العبارة التي ذكرنا إن الشهيد الثاني (ره) أخذ التناقض باعتباره وقد مر الكلام فيه وكذا الحال في الجاري القليل أيضا عند العلامة وهو (ره) صرح في بعض كتبه بعدم نجاسة ما فوقه مطلقا ولم يتعرض لبيان حكم ما تحته ولعله أحاله على الاعتبار ثم إن الحكم بعدم نجاسة ما فوقه مطلقا إنما هو على انحدار الماء كما يشهد به لفظة ما فوق وأما على التساوي فإنما لم ينجس مع كريته وحده أو مع ما تحت النجاسة إن كان الجميع كرا مستويا مع اشتراط المساواة أو منحدرا أيضا على عدم اعتبارها وعدم القول بعدم تقوى الاعلى بالأسفل أما مطلقا أو مع الجريان (ومنه ماء الحمام) الداير في السنة الأصحاب إن ماء الحمام حكمه حكم الجاري إذا كان له مادة واختلفوا في اشتراط الكرية في المادة فالأكثر على الاشتراط والمحقق (ره) في المعتبر قال بعدمه فالكلام ها هنا في أمور الأول في المراد من ماء الحمام والثاني في معنى كون حكمه حكم الماء الجاري والثالث في تحقيق اشتراط الكرية في مادته أما الأول فالمراد بماء الحمام المبحوث عنه في هذا الموضع ما في حياضه الصغار التي لم يبلغ حد الكر لان ما بلغ حد الكر أمره ظاهر وأما الثاني فالمراد بتشبيهه بالجاري عدم نجاسته بالملاقاة عند اتصاله بالمادة وطهره بعد التنجس بإجراء المادة عليه أما مع الاستيلاء أو بدونه على الاحتمالين والدليل على الأمر الأول منضما إلى الاجماع كما هو الظاهر ما رواه التهذيب في زيادات باب دخول الحمام في الصحيح عن داود بن سرحان قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في ماء الحمام قال هو بمنزلة الجاري ولا يخفى أن الاستدلال بهذا الخبر إنما يتم بعد ما علم إن ماء الحمام في زمانهم (عليه السلام) كيف كان قليلا أم كثيرا إذ الظاهر أن السؤال من ماء الحمام المعهود عندهم سيما إن أصل الإضافة للعهد وما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه
(٢٠٧)