في بحث الجاري والحق أن بعد تسليم عموم انفعال القليل واعتبار التساوي في الكر إخراج هذا الفرد من الحكم بمجرد هذين الوجهين صعب جدا نعم لو لم يسلم أحد عموم انفعال القليل أو اعتبار المساواة لكان هذان الوجهان مما يصلحان لتأييد حكمه بعدم انفعال هذا الفرق فتأمل (ولا ينجس إلا بتغير لونه أو ريحه أو طعمه بالنجاسة) لا خلاف بين علماء الاسلام في عدم انفعال الكثير بالملاقاة كما صرح به في المنتهى ويدل عليه أيضا الروايات الكثيرة المستفيضة المتقدمة في بحث نجاسة القليل وأما ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ في الموثق عن أبي بصير قال سألته عن كر من ماء مررت به وأنا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان قال لا يتوضأ منه ولا يشرب منه فمحمول على الكراهة أو التغير جمعا بين الاخبار وكذا الاخلاف في نجاسته بالتغير بالنجاسة ويدل عليه أيضا الروايات المتقدمة في هذا البحث وأما حسنة الحلبي المتقدمة في أوايل بحث الماء المتضمنة لجواز الطهارة من الماء الآجن فمحمولة على ما كان تغيره بنفسه أو بمخالطة الأجسام الطاهرة جمعا بين الاخبار واعلم إن الروايات المتقدمة خالية عن التعرض للون سوى رواية العلاء بن الفضيل فإنها بمفهومها تدل على نجاسته بتغير اللون لكنها ضعيفة بمحمد بن سنان ونقلوا رواية عن الجمهور أيضا متضمنة لذكر اللون ولا يصلح أيضا للتعويل وذكر بعضهم إن تغير الريح والطعم أسرع من تغير اللون أو لا ينفك تغير اللون عن تغيرهما فلا ثمرة في التعرض له ووجهه غير ظاهر وقد يستنبط اعتبار اللون من قوله (عليه السلام في صحيحة حريز المتقدمة فإذا تغير الماء وتغير الطعم وفيه أيضا إشكال وقد يتمسك فيه بما قاله ابن أبي عقيل إنه قد تواتر عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه إن الماء طاهر لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه والظاهر أن انضمام هذه الأمور بعضها مع بعض مع اعتضادها بالاجماع يكفي في الحكم وأيضا يشكل أن يستنبط من تلك الروايات إن تغير الطعم وحده موجب للنجاسة لان في بعض نسخ التهذيب في صحيحة أبي خالد المتقدمة قد تغير ريحه أو طعمه وفي النسخة المعتمدة وطعمه ويؤيدها آخر الحديث والتعويل أيضا على الاجماع ثم إن ظاهر العبارة حيث قال بالنجاسة يدل على أنه إذا كان التغير بالمتنجس كما إذا تغير طعم الماء أو لونه مثلا بالدبس النجس لا يوجب التنجس وقد صرح به العلامة في المنتهى لكن ظاهر المبسوط نجاسة به أيضا ويحتمله أيضا كلام المعتبر والظاهر الأول لأصالة الطهارة واستصحابها والروايات المذكورة مختصة بالنجاسة فالتعدي إلى غيرها محتاج إلى دليل وليس وسيجئ تتمة لهذا في بحث المضاف إنشاء الله تعالى وقد صرحوا أيضا بأنه إذا كان التغير بمجرد مرور الرايحة مثلا لا بوقوع النجاسة فيه فلا يصير سببا للتنجس وهو جيد للأصل وعد ظهور الروايات في خلافه (تغير محققا لا مقدرا) هذه العبارة تشتمل صورتين أحديهما إذا كان الماء كاينا على حاله الأصلي وتكون النجاسة مسلوبة الصفات وتكون بحيث إذا لم تكن مسلوبة الصفات لغيرت الماء فحينئذ مختار المصنف في هذا الكتاب وأخويه عدم العبرة بالتقدير وذهب العلامة في جملة من كتبه إلى اعتبار التقدير والأول أظهر لأنه جعل في الروايات مناط النجاسة التغير والغلبة وهما غير موجودين واعتبار التقدير محتاج إلى دليل والأصل معنا واحتج العلامة بأن التغير الذي هو مناط النجاسة داير مع الأوصاف فإذا فقدت وجب تقديرها وضعفه ظاهر واحتج عليه أيضا فخر المحققين (ره) بأن الماء مقهور بالنجاسة لأنه كلما لم يصر الماء مقهورا لم يتغير بها على تقدير المخالفة وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كلما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا والكلية الأولى ممنوعة وهو ظاهر واحتج المحقق الشيخ على (ره) بأن المضاف المسلوب الأوصاف إذا وقع في الماء وجب اعتباره أما بقلة الاجزاء وكثرتها أو بتقديره مخالفا في الأوصاف على اختلاف القولين وإذا وجب الاعتبار في الجملة في المضاف فللنجاسة أولى وفيه أنه قياس لا نعمل به إذ الأولوية ممنوعة وبأن عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا وهو كالمعلوم البطلان وفيه أنه لو كان ضرورة أو دليل في هذه الصورة فيكون خارجة بالدليل ويكون ما عداها باقيا في الحكم وإن لم يكن فنظر الحكم فيها أيضا وكان الواقع الأول لان بعض الأصحاب ادعى الاجماع على النجاسة إذا استهلكت النجاسة الماء هذا والاحتياط في التقدير في بعض الأوقات وعلى تقدير التقدير هل يعتبر أوصاف النجاسة على الوجه الأشد أو الأضعف أو الأوسط الكل محتمل وجعل المحقق الشيخ على الظاهر الأخير وقال بعد ذلك وهل يعتبر أوصاف الماء وسطا نظرا إلى شدة اختلافها كالعذوبة والملوحة والرقة والغلظة والصفار والكدورة فيه احتمال ولا يبعد اعتبارها لان له أثرا بينا في قبول التغير وعدمه انتهى وثانيتهما ما إذا كان الماء غير كائن على أوصافه الأصلية كالمياه الزاجية والكبريتية وتكون النجاسة على صفاتها الأصلية ولم تغيره لكن يكون بحيث إذا لم يكن الماء على هذه الصفة لغيرته وظاهر الكتاب على إطلاقه يدل على عدم التقدير حينئذ أيضا وهو الظاهر بالنظر إلى ما ذكرنا آنفا ولم نجد في كلام الأصحاب نصا على خلافه ويمكن إجراء الوجوه المذكورة في الصورة الأولى ها هنا أيضا والجواب الجواب والعبارة المنقولة آنفا عن المحقق الثاني (ره) يمكن أن يكون مراده منها اعتبار أوصاف الماء في هذه الصورة ويمكن أن يكون المراد اعتبار الأوصاف في الصورة الأولى عند اعتبار أوصاف النجاسة وعلى أي وجه لا وجه له كما لا يخفى ثم اعلم إن ما ذكرنا في الصورة الثانية إنما هو إذا لم تغير النجاسة أوصاف الماء في الواقع بسبب وصفه العارضي وأما إذا غيرته في الواقع ولم يظهر للحس بسبب وصفه العارضي كما إذا كان الماء أحمر ثم وقع فيه دم فقد
(٢٠٣)