التعدي موجود بل الصواب أن يقال فيلزم أن يخرج البئر عن حكمه إذا سمي بالعين وأما في كلام صاحب المدارك (ره) فلان ما ذكره من أن عند عدم ثبوت الحقايق الثلاثة وجب الحمل على العرف مما لا دليل عليه وأصالة عدم النقل وعدم تقدم وضع سابق ضعيفة نعم لو حصل ظن لامن هذه الأصالة بعد مهما وكذا حصل ظن بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية لا من أصالة عدمها أيضا فحينئذ الظاهر الحمل على العرف العام أما مع الشك في شئ منهما فلا وتحقيق ذلك موضعه في الأصول وحينئذ كل ما ثبت إطلاق البئر في عرفهم (عليهم السلام) فلا إشكال فيه وكذا فيما ثبت عدم إطلاقه عليه وأما المشكوك فيبنى الامر فيه على ما تقتضيه الأصول والقواعد المستنبطة من الأبحاث السابقة في أبواب المياه وأيضا ما ذكره من عدم لزوم تغير الحكم بتغير التسمية بناء على ما حققه باطل لظهور أنه إذا بنى الامر على العرف العام فعند تغيره يتغير الحكم إلا أن يكون مراده بتغير الحكم التغير الذي ذكره المحقق من تعلق حكم البئر بالعين إذا سميت باسمه وعدم اللزوم حينئذ بناء على ما شرطه من أن لا يكون مما علم عدم إطلاقه عليه ولا يخفى أنه لا بد من شرط آخر أيضا وهو أن لا يكون مما علم إطلاق البئر عليه في عرفهم (عليهم السلام) إذا لم يطلق عليه في العرف العام وإلا يلزم أيضا تغير الحكم بتغير التسمية وكأنه إنما تركه للظهور وبما ذكرنا ظهر إن الأولى في تعريف البئر أن يقال أنها مجمع ماء نابع لا يتعداه غالبا ولم يتعده بالفعل ويطلق عليه اسم البئر في عرفنا الان (والأشهر نجاسته بالملاقاة) اعلم أنه لا خلاف في نجاسته بالتغير ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع الروايات المتقدمة في بحث القليل الدالة على نجاسة كل ماء بالتغير وأما نجاسته بالملاقاة ففيه خلاف والأشهر كما ذكره المصنف أنه ينجس بالملاقاة مطلقا وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية والسيد المرتضى والمحقق رحمهم الله ونسب إلى المقنعة أيضا لكن لم نقف عليه بل كلامهما على ما رأينا مختص بنجاسته بالتغير ولم يتعرض للملاقاة بل حكم بالنزح للنجاسات إلا أن يتمسك بمفهوم قوله وإن سقط فيهما بعرة غنم أو أبل أو غزلان أو أبوالها لم ينجس بذلك وذهب جماعة من الأصحاب كالعلامة (ره) وشيخه مفيد الدين بن الجهم وولده فخر المحققين وابن أبي عقيل والحسين بن عبيد الله الغضايري وكثير من المتأخرين إلى عدم نجاسته مطلقا وذهب الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد البصري ومن المتقدمين إلى التفصيل والقول بعدم النجاسة إن كان كرا وبها إن لم يكن كرا وألزم على العلامة (ره) القول به حيث اشترط في الجاري الكرية وفيه نظر لا يخفى وذكر المصنف (ره) في الذكرى إن الجعفي يعتبر فيه ذراعين في الابعاد الثلاثة حتى لا ينجس وكان الكر عنده هذا القدر لكن لم ينقل عنه في بحث الكر أو يكون هذا مختصا بالبئر ثم القايلون بالطهارة اختلفوا في وجوب النزح لوقوع النجاسات المخصوصة كما سيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى والمشهور بينهم عدم وجوبه بل إنما يستحب والعلامة (ره) ذهب ظاهرا في المنتهى إلى الوجوب تعبدا لا لنجاسته ولم يصرح (ره) بأنه يحرم استعماله قبل النزح حتى يتفرع عليه بطلان الوضوء والصلاة بنا على أن النهي في العبادة مستلزم الفساد أم لا ولا يذهب عليك إن كلام الشيخ (ره) في كتابي الحديث لا يخلو من اضطراب لأنه قال في التهذيب بعد ما ذكر أن من استعمل ماء البئر قبل تطهيره يجب عليه إعادة ما استعمله فيه من الوضوء والصلاة وغسل الثياب قال محمد بن الحسن عندي إن هذا إذا كان قد غير ما وقع فيه من النجاسة أحد أوصاف الماء أما ريحه أو طعمه أو لونه فأما إذا لم يغير شيئا من ذلك فلا يجب إعادة شئ من ذلك وإن كان لا يجوز استعماله إلا بعد تطهيره والذي يدل على ذلك أنه مأمور باستعمال المياه الطاهرة في هذه الأشياء فمتى استعمل المياه النجسة فيجب أن لا يكون مجزيا عنه لأنه خلاف المأمور به انتهى وقال في الاستبصار بعد نقل روايات قال الشيخ (ره) ما يتضمن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة في الوضوء والصلاة عمن استعمل هذه المياه لا يدل على أن النزح غير واجب مع عدم التغير لأنه لا يمتنع أن يكون مقدار النزح في كل شئ يقع فيه واجبا وإن كان متى استعمله لم يلزمه إعادة الوضوء والصلاة لان الإعادة فرض ثان فليس لأحد أن يجعل ذلك دليلا على أن المراد بمقادير النزح ضرب من الاستحباب على أن الذي ينبغي أن يعمل عليه هو أنه إذا استعمل هذه المياه قبل العلم بحصول النجاسة فيها فإنه لا يلزم إعادة الوضوء والصلاة ومتى استعملها مع العلم بذلك لزمه إعادة الوضوء والصلاة انتهى وأنت خبير بأن كلام التهذيب فيه تشويش من وجهين الأول إن ظاهر قوله إلا بعد تطهيره يدل على نجاسته بالملاقاة وحينئذ كيف يحكم بعدم وجوب إعادة الوضوء والصلاة وغسل الثياب ولو حكم به في الوضوء والصلاة بناء على عدم وجوب إعادة الجاهل بالنجاسة للوضوء والصلاة فلا شك في عدم إمكانه في غسل الثوب إذ الظاهر أنه لم يقل به أحد أصلا الثاني إن ما ذكره بقوله الذي يدل على ذلك مناف لحكمه بعدم وجوب الإعادة إذ لو لم يكن ما أتى به مجزيا ومأمورا به فيجب الإعادة لا أن يفعل حراما فقط وتوجيه كلامه (ره) أن يحمل مذهبه على عدم النجاسة بالملاقاة ووجوب النزح كما ذهب إليه العلامة (ره) في المنتهى ويأول قوله بعد تطهيره بالتنظيف أو التطهير باعتقاد القايلين بالنجاسة وحينئذ يرتفع التشويش الأول وقد حمل بعض الأصحاب التطهير على ظاهره ونسب إلى الشيخ القول بالنجاسة لكن لا يقول بوجوب إعادة الوضوء والصلاة وغسل ما لاقاه إذا حصلت هذه الأمور قبل العلم بالنجاسة واعترض عليه بما ذكرنا في هذا التشويش وأما التشويش الثاني فجوابه إن قوله والذي يدل على ذلك إشارة إلى إعادة الوضوء والصلاة وغسل الثياب بعد استعماله إذا تغير لما ذكرنا من أن مذهبه عدم النجاسة بالملاقاة
(٢١٦)