تحديد لجميع بنحو ما ذكر في الاعتراض بعيد فلا بد أن يكون دالا على تحديد الجميع بثلاثة أشبار ونصف إذ لاحتمال سواه فهذا التوجيه إنما هو لبيان أحد محتملات الخبر بحيث يستنبط منه تحديد كل من الابعاد الثلاثة بثلاثة أشبار ونصف فتأمل وما رواه الاستبصار في باب البئر يقع فيه ما يتغير أحد أوصافه عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شئ قلت وكم الكر قال ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها واعترض عليه بضعف السند وفيه خدشة من حيث المتن أيضا لان التهذيب رواه في زيادات باب المياه والكافي في الباب المتقدم بدون تحديد الطول وعلى هذا يضعف الظن بما في الاستبصار لكن يمكن أن يقال أن تحديد العرض بهذا الحد مستلزم لكون الطول أيضا كذلك إذ لو كان أقل منه لما كان طولا ولو لزم زيادته وعلى هذا الحد لكان الظاهر أن يشعر به مع أن الزيادة عليه منتف البتة لان خلاف ابن الجنيد والشلمغاني لا عبرة به كما سيجئ وقد يعترض عليه بمثل الاعتراض السابق من جواز كون المراد بالعرض القطر وحينئذ لا يتم المقصود وهو في هذا المقام ظاهرا لورود لان ماء البئر مستدير واحتج أيضا بالاحتياط وبأن بلوغ الماء كرا شرط في عدم الانفعال فلا بد للعلم بحصول الشرط من دليل ولا دليل على الأقل من ذلك كما سيظهر عند ذكر حجة القول الثاني والزيادة عليه منتف قطعا لما سنذكر فيثبت هذا وفيه ما مر آنفا من معارضة الاحتياط بمثله وعدم تمامية حديث الاشتراط حجة القول الثاني ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب كمية الكر في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت ما الكر قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار ويعترض عليه من حيث السند والمتن أما السند فإن فيه محمد بن خالد البرقي وقد ضعف حديثه النجاشي وفيه نظر لان ما ذكره النجاشي ليس طعنا فيه بل مراده أنه يروي عن الضعفاء وهذا لا يوجب القدح فيه ولا في حديث الذي يروى عن الثقات وأيضا الشيخ وإن رواه في موضع من التهذيب والاستبصار عن عبد الله بن سنان عن إسماعيل بن جابر وعلى هذا الرواية صحيحة لكن رواه في موضع آخر من التهذيب في الباب المذكور أيضا عن محمد بن سنان بأدنى تغيير في المتن وهو أظهر بالنظر إلى تتبع الروايات وفي الكافي ذكر ابن سنان مطلقا فعلى هذا لا يبقى الظن بصحة السند بل الظاهر وقوع الغلط فيه واشتباه محمد بعبد الله ولا أقل من الشك فلا تعويل وأما المتن فإن فيه قصورا عن إفادة المراد لعدم تحديد الابعاد الثلاثة وأجيب كما سبق في الخبر الأول من الانفهام عرفا وشيوع الاكتفاء في مثله واحتج أيضا بالأصل وبالاحتياط وبما قربته للأرطال ولأكثر من رواية والحب والقلتين المذكورات في الرواية المتقدمة وأما ما ذهب إليه الشلمغاني فلا مستند له وقد رده المصنف في الذكرى بأنه خلاف الاجماع وأيضا ليس هو بتحديد منضبط لوقوع التفاوت فيه كثيرا بحسب اختلاف أوضاع المياه وأقدار الأحجار وأنحاء الطروح وكذا ما ذهب إليه ابن الجنيد لم نقف له على مستند والروايات المذكورة في هذا الباب كلها دالة على خلاف ما ذهب إليه وبالجملة لا اعتداد بما ذهب إليه بعد مخالفته للروايات المعتبرة ولا تأويل الأصحاب والعجب أنه حدد الكر بقلتين وبألف ومأتي رطل وبالأشبار المذكورة مع أن القلتين كما فسره بعض أهل اللغة أقل إنما ذهب إليه الفرقة الثانية والأرطال أيضا أقل بكثير عن مائة أشبار سواء كانت عراقية أو مدنية بل الظاهر أنهما لا يبلغاه نصف الأشبار نعم لو حملت على المكية لزادت على النصف وقد يتعجب أيضا من الصدوق (ره) حيث ذهب في الأشبار إلى الثلاثة وفي الأرطال إلى المدنية مع أن بينهما تفاوتا كثيرا وكأنه بحذائه القائلون بثلاثة ونصف والعراقية لأن الظاهر أن الأرطال بالعراقية تقارب ثلاثة أشبار كما نص عليه العلامة في المختلف والفاضل الأردبيلي في شرح الارشاد وإن كان يفهم من الذكرى مقاربتها لثلاثة ونصف وعلى هذا فالمدنية يقارب ثلاثة لان التفاوت بين الرطلين بالنصف وبين الأشبار أيضا قريب منه ولو انعكس الامر لكان أظهر وأما ما نسب إلى الراوندي فلم يفهم منه المراد ظاهرا فقد حمله بعضهم على أنه إذا ضم أبعاده الثلاثة بعضها إلى بعض حصل عشرة أشبار ونصف ويحصل في التحديد على هذا التقدير تفاوت شديد لأن الماء الذي يكون مجموع أبعاده كذا قد يكون مساويا للمشهور وقد يكون أقل منه بقليل كما لو فرض طوله ثلاثة أشبار وعرضه ثلاثة وعمقه أربعة ونصف وقد يكون أقل منه بكثير كما لو فرض طوله ستة وعرضه أربعة وعمقه نصف شبر وجعل الشهيد الثاني في شرح الارشاد أبعد الفروض عن المشهور ما لو كان كل من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة أشبار ونصفا واعترض عليه في الحبل المتين إنه ليس بأبعد الفروض بل يوجد أبعد منه بكثير كما لو فرض طوله تسعة أشبار وعرضه شبرا واحدا وعمقه نصف شبر وقد يوجد أبعد منه أيضا كما لا يخفى وأيضا ما فرضه إنما هو اثني عشر شبرا ونصف لا عشرة أشبار ونصف هذا وأيضا يلزم على هذا التحديد أن لا يكون ماء كرا مع كونه أزيد مما هو كر بكثير كما لو كان طوله ستة أشبار وعرضه ثلاثة أشبار وعمقه أربعين وسبعة أثمان شبر بل يكفي أن يكون عشرة أشبار ونصفا لا بطريق الجمع ليلزم ما ذكر بل بالتكسير وعلى أي تقدير لا مستند له ظاهرا وكان مستنده رواية أبي بصير المتقدمة ووجه التمسك بها أما على الأول فبعدم حمل لفظة في علي الضرب بل على ما يقيد معنى المعية والجمع وحمل ثلاثة أشبار ونصف على التمثيل فيصير الحاصل أنه لابد أن يكون أبعاده الثلاثة بعد الجمع عشرة أشبار ونصفا وأما على الثاني فبمثل هذا أيضا لكن يسقط اعتبار الجمع بالنحو المذكور ويكتفي
(١٩٨)