فإن كان الكلام في الانفعال فالظاهر خلافه وإن كان في تطهير الأرض ونحوهما فما ذكره قوى لا بالنظر إلى هاتين الروايتين بل بالنظر إلى صحيحة على المتضمنة للجريان لكن قد عرفت ما فيها من الكلام وإن كان في تطهيره الماء فكذلك أيضا ما ذكره قوي نظر إلى سبق منا لا بالنظر إلى الروايتين و قد عرفت إن الروايتين كما لا تدلان على رد المشهور من طهر الماء بالتقاطر لا تدلان على طهره بجريان الميزاب أيضا فالعمدة في التمسك الاجماع ظاهرا إذ المخالف للمشهور في هذا الحكم الشيخ (ره) وهو أيضا قايل في هذه الصورة كما هو الظاهر هذا وخلاصته ما ظهر من الأبحاث أن الظاهر عدم انفعال ماء المطر من النجاسة وإن لم يصل حد التقاطر لكن الأولى رعاية التقاطر وكذا الظاهر تطهيره الأرض النجسة حال جريانها أو أكثريتها على النجاسة ولا يشترط الجريان إليه من الميزاب ولا يبعد القول بتطهيره إياها عند التقاطر أيضا وإن لم يصل حد الجريان وأما ما عدا الأرض سوى الماء فلا يبعد أيضا القول بتطهيرها حال الجريان أو أكثريته على النجاسة وفي حال التقاطر بدونهما لا يخلو من إشكال وأما الماء ففي تطهيره في جميع الحالات إشكال سوى ما إذا جرى عليه من الميزاب واختلط به للاجماع فيه ظاهرا والله أعلم بحقايق أحكامه فرع هل يتقوى الماء القليل الطاهر بماء المطر حال التقاطر ويمنعه من الانفعال بالملاقاة الظاهر التقوى لعدم عموم انفعال القليل مع أن الظاهر أنه المشهور بين الأصحاب ولو كان جاريا عليه من ميزاب ونحوه فالتقوى ظاهر واعلم إن العلامة (ره) مع اشتراط الكرية في الجاري حكم بأن ماء الغيث حال تقاطره كالجاري وإلا فكالواقف وأورد عليه أن الفرق بين الجاري والواقف إنما يظهر عند عدم اشتراط الكرية في الجاري كما هو رأي غيره وأما على رأيه فلا فرق إلا أن يفرق بينهما باعتبار أنه لا يعتبر في الكر من الجاري مساواة السطوح وأيضا يقول فيه بتقوى الاعلى بالأسفل وكذا يحكم في حال النجاسة بطهره بالتدافع والتكاثر وإن لم يكن الماء الطاهر المدافع قدر كر كما مر سابقا من احتمال أن يكون مختاره (ره) هذه الأمور في الجاري بخلاف الواقف ولا يذهب عليك إن الظاهر من كلامه (ره) اشتراط الكرية في ماء المطر وقد يقال أنه يمكن أن يكون مراده أنه كالجاري إذا أن كرا وأورد عليه حينئذ أنه ما الفرق بين الجاري وماء المطر حيث يعتبر فيه الكرية دونه واعتذر عنه بأن أدلة انفعال القليل لا معارض لها في الجاري يصلح للمعارضة بخلاف ماء المطر لمعارضة الروايات السابقة فيه فإن قلت بين هذه الروايات وروايات انفعال القليل عموم من وجه فلم تخصص هذه دون تلك قلت لتأييدها بالأصل هذا وقد بقي في المقام شئ وهو أن روايتي الميزاب المتقدمتين قد يستشكل فيهما من حيث أن ميزاب البول إن سلم عدم تغييره الميزاب الماء فلا أقل من عدم استهلاكه بميزاب الماء فكيف يحكم بطهارة الماء المختلط منهما إلا أن يقال ليس المراد باختلاطهما اختلاطهما بتمامهما بل اختلاطهما بترشح ماء أحد الميزابين إلى الاخر وحينئذ بمجرد ترشح ميزاب البول إلى ميزاب الماء لا ينجس ذلك الماء لعدم التغير فإذا أصاب الثوب لم يكن به بأس إذا الماء لم ينجس وجزء البول لم يعلم إصابته وأيضا قد استهلك في الماء الطاهر فصار طاهرا لكن لا يخفى أن هذا الحمل بعيدا ويقال أن البول يطهر باختلاط ماء المطر وإن لم يستهلك وفيه أيضا إشكال أو يرد الروايتان لعدم صحة سندهما وإنما علمه عند الله وأهله (وليس للجرية حكم بانفرادها مع التواصل) المراد بالجرية الدفعة من الماء الجاري بين حافتي النهر عند جريانه على سطح منحدر هكذا فسره المحقق الثاني (ره) في شرح القواعد والظاهر أن قيد الانحدار ليس بمعتبر ها هنا كما سيظهر واعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في أن الماء الجاري لا يعتبر جريانه على حدة وعليه أكثر الجمهور أيضا وقال الشافعي إذا كانت النجاسة تجري مع الماء فما فوقها وما تحتها طاهران وأما الجرية التي فيها النجاسة فحكمها كالراكد فإن كان أقل من قلتين نجست وإلا فلا وإن كانت النجاسة واقفة والماء يجري عليها فلكل جرية حكم نفسها فإن كانت أقل من قلتين نجست وإلا فلا هكذا ذكر في المنتهى وقال مراده بالجرية القدر الذي بين حافتي النهر عرضا عن يمين النجاسة وشمالها ومن ها هنا ظهر إن الانحدار ليس بمعتبر ونسب هذا الخلاف في المعتبر إلى بعض الحنابلة أيضا وألحق ما ذهب إليه الأصحاب للتواصل المقتضي للوحدة وعدم مستند ظاهر في خلافه سيما مع إجماعنا عليه قال المصنف (ره) في الذكرى ويلزم تنجس الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغير وهو ظاهر البطلان انتهى وفيه نظر لأنه لا يخلو أما أن تكون النجاسة تجري مع الماء أو تكون واقفة تجري عليها الماء فعلى الأول كل جرية فيها النجاسة نجسة دون ما فوقها وما تحتها فلا يلزم نجاسته جميع الجدول وهو ظاهر وعلى الثاني فإن كان كل جرية تمر على النجاسة تصير نجسة لكن يمكن أن يكون بعد التجاوز عنها تصير طاهرة بملاقاتها للكثير الذي بعد النجاسة إذ الجدول الذي فرضه لا بد أن يكون ما تحته النجاسة فيه كرا وإن فرض عدم كريته فلا استبعاد في نجاسته إلا أن يكون القايل بهذا القول لم يقل بكفاية الاتصال في التطهير أو يقول به لكن بشرط المساواة أو علو المطر فيكون الزاما عليه فإن قلت يمكن أن يكون مراده بالجدول الذي طوله فراسخ جدولا يكون طوله إلى عرض الجدول الذي فيه النجاسة ويكون متصلا به فحينئذ طول ذلك الجدول يصير بمنزلة عرض الجدول الثاني فلو وقع نجاسة في هذا الجدول في الموضع الذي يتصل به الجدول الأول فطول ذلك الجدول كله محسوب في الجرية التي فيها النجاسة لصدق التعريف عليه فيلزم أن يكون نجسا وهو باطل قلت هذا الجدول الطويل أما أن يكون ماؤه بقدر
(٢١٤)