اعتبار على ما ذكرناه.
فأما قوله: فأي شريعة وأي عقول قررت وجوب العمل بخبر من نظن صدقه في خبر واحد، ويجوز عليه الكذب فيه.
فهذا أولا تصريح منه بأنه ليس ما نحن فيه تفصيلا لجملة ما ادعاه، وإنما عول على نفي الشرع أو العقل الموجب لأحد الأمرين والحاضر للآخر، وهذا خروج كما ترى عما وقع الشروع فيه من تبيين تفصيل الجملة.
والكلام عليه أن يقال: الذي يفصل بين الأمرين أن الشريعة قد قررت العمل بقول المفتي وإن جوزنا عليه الخطأ في موضعين، ولم تقرر العمل بقول الراوي إذا لم نعلم صدقه.
وإن كان خطاؤه إن كان مخطئا في موضع واحد، فيجب أن نتوقف عن العمل بقوله، لأن الشرع لم يأت به، ويكفينا في حظر قبول قوله انتفاء الشرع ولا نحتاج إلى ورود شرع بحظره.
ثم يقال له: كيف قررت الشرائع العمل بقبول قول الاثنين فيما لا يجوز فيه إلا شهادة الأربعة؟ والخطأ هاهنا في موضع واحد، وهناك في موضعين، فأي شئ قلته في الفرق بين هذا الالزام قيل في إلزامك.
فأما الكلام الذي ختم به الفصل الذي ابتداؤه: وهذه سبيل سائر الطوائف في تدريسها وتعليمها، وأنه لا يوجد طائفة من طوائف الأمة تقتصر في تدريسها وتعليمها على ظواهر القرآن والمتواتر من الأخبار، وتطرح الرواية الصادرة من الآحاد.
فقد مضى الكلام عليه في الفصل الثاني الذي سبق كلامنا عليه مستقصى مستوفى، وبينا أن ذلك سوء ثناء على العلماء في تدينهم بمذاهبهم، وكشفنا ذلك وأوضحناه بما لا طائل في إعادته.