ولو قلنا لمن يدعي هذا المحال الصرف، أما كان يجوز عندك تقديرا وفرضا أن يتعبد الله تعالى في المواضع التي ذكرتها كلها بالعمل مع الظن، ويحظر علينا في الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله أن نعمل إلا على العلم واليقين.
فإن قال: لا يجوز ذلك كابر ودافع، وقيل له: من أين قلت؟ وما الدليل على ما أدعيت؟ فإنه لا يجد مخرجا. وإن أجاب إلى التجويز قيل له: فقد بطل أن يكون ذلك تفصيل الجملة مع تجويزك اختلاف العبادة وتباينها.
وأما ما تضمنه الفصل من ذكر استفتاء العامي للعالم، أو عمله على قوله وإن لم يكن قاطعا على صحته. فأول ما فيه أن كثيرا ممن نفي الاجتهاد والقياس ولم يعمل بخبر الآحاد في الشريعة لا يوجب تقليد العامي ولا العمل بقوله إلا بعد العلم بصحته ولا يلتفت إلى هذا التكثير والتعظيم والتفخيم الذي عول عليه في هذا الفصل.
فكذلك هذه التهويلات تسمع من المثبتين للقياس في الشريعة، حتى أنهم يدعون الإجماع المتقدم والمتأخر، وعمل الصحابة والتابعين والعلماء في سائر الأمصار والأوقات.
أفترى أن العمل أظهر من العمل بالاجتهاد والقياس، وليس كل شئ أكثر القائل به، واتسعت البلاد التي يعمل به فيها، وذهب إليه الرؤساء والعظماء ومن له القدرة والسلطان وإليه الأمر والنهي والحل والعقد، كان إجماعا يسقط الخلاف فيه.
وليس لأحد أن يطعن على هذه الطريقة بأن يقول: إذا كان العامي لا يقلد العالم ولا يرجع إلى قوله، فأي فائدة في الاستفتاء الذي قد علمنا الارشاد إليه والفزع من كل أحد إلى استعماله.
قلنا: الفائدة في ذلك بينة، لأن قول العالم منبه للعامي وموقظ له، أو مقر (1) بالنظر والتفتيش والبحث، وهل هذا إلا كمن يقول: إذا كان التقليد في الأصول لا يسوغ، فما الفائدة في المذاكرة والمباحثة والتنبيه والتحذير.
فإن قيل: معلوم ضرورة أن العامي لا يستطيع أن يعرف الحق في الفروع