وهكذا إن قيل: أن العلم يقع بالحرف الأخير، لأنا نعلم أن الحرف الأخير من الخبر لو انفرد لم يحصل عنده علم. وإن كان العلم المتولد عن سائر حروف الخبر على سبيل الانضمام، فهذا باطل. لأن الأسباب الكثيرة لا يجوز أن تولد سببا واحدا، كما لا يجوز أن يقع المعذور الواجد يقدر كثيرة (1).
ومنها: أنه كان ينبغي أن لا يفتقر إلى المواضعة في العلم الواقع عند الخبر، لأن السبب يولد لأمر يرجع إليه، فأي حاجة به إلى تقدم المواضعة، وقد علمنا أنه لولا تقدمها لما أفاد الخبر، ولا حصل عنده علم.
ومنها: أن الصوت لا جهة له، فكيف يولد في غير محله، وإنما ولد الاعتماد في غير محله، لأنه مختص بجهة، وإلا فسائر الأسباب لا تولد إلا في محلها.
فأما ما مضى في أثناء هذا الفصل عند ذكر أن الاعتماد يختص بجهة، فجاز أن يولد في غير محله، والصوت ليس كذلك، من قوله ما أنكرتم أن يشارك الاعتماد غيره في هذا الحكم وهو التعدي، ويكون الخبر من جملة ما يتعدى حكمه، لكونه مدركا، فيتفق الخبر والاعتماد، بل كل مدرك في تعدي الحكم إلى غير محلها (2).
ويكون معنى تعدي الحكم في الاعتماد كونه مدافعا في الخبر، وفي الخبر كونه مسموعا، فطريق ما كان ينبغي أن يحيل مثله. فيورد في جملة الشبهات:
لأن الاعتماد إنما ولد في غير محله بسبب معروف، وهو الاختصاص بالجهة.
وهذه الصفة لا تحصل له، لأن بها تميز في (3) سائر الأجناس، فكيف يجوز