كان له أن يقول: ما أثبت ذلك قياسا، بل هو تفصيل لجملة وهو أولى بها وأليق، لأن المفتي ممن يجوز عليه الخطأ في مذهبه، ويجوز عليه الكذب على نفسه، وهو مخبر لمن يفته عن أمرين: أحدهما الحكم بأنه من شريعة الإسلام والثاني أنه مذهبه والقول الذي يختاره.
يبين ذلك أنه لو صرح بنفي ما أفتي به عن شريعة الإسلام، لما كان للمستفتي أن يقبل فتياه ويعمل بها، ولو صرح بنفيه عن مذهبه وأنه مذهب أحد الأئمة والفقهاء، لكان للمستفتي أن يعمل بها، فالمعول عليه في لزوم القبول من المفتي به إلى (1) الله تعالى وإلى رسوله وما شرعاه في دين الإسلام.
فإذا ثبت هذه الجملة وكان ما قدمناه من قبول قول المفتي، واشتماله على الخبر من أمرين يجوز عليه الكذب فيهما، والمخبر عن الرسول صلى الله عليه وآله منفرد بأخذ الخبرين، وسلم من الخبر الآخر والتهمة فيه. فأي شريعة وأي عقول قررت وجوب العمل بالخبر ممن يظن صدقه في خبرين ويجوز عليه الكذب فيهما والحظر للعمل بخبر من يظن صدقه في خبر واحد ويجوز عليه الكذب فيه.
وله أن يقول: هذا سبيل سائر الطوائف في تدريسها وتعليمها الفقه وتعريضها الأحكام، لا توجد طائفة من طوائف الأمة تقتصر في تدريسها وتعليمها على ظواهر القرآن والمتواتر من الأخبار، وطرح الرواية الصادرة عن الآحاد.
وإذا كان هذا هو المعلوم من حال علماء الأمة المشتهرين بالفضل في طوائفها والغالب على أمرهم الذي تشهد به المشاهدة وعرف بالمخالطة، أن جمهور تدريسهم وعامة فتاواهم المرجع فيها إلى الروايات. وإن من أنكر ذلك بلسانه إذا رجع على نفسه وخلا بسره، علم انطواه على خلافه. هذا مما يخلج في الصدر، فما الجواب عنه إن كان فاسدا؟ ففي كشفه أعظم الفوائد وأجل القرب.