[يجري] مجرى العقاب الذي لا يكون إلا على سبب متقدم ولا يكون مبتدءا.
ألا ترى أنهم يقولون ابتدأه بالعذاب، ولا يقولون ابتدأه بالعقاب. وقد يبيح الله تعالى من إيلام البهائم ما تضمن هو العوض عنه، كما أباح ركوبها والحمل عليها وأن ألمها ويثق عليها (1) وأباح ذبحها.
وقد روي أن العذاب الذي ذكره سليمان (عليه السلام)) إنما كان نتف ريشه.
وليس قوله (لأعذبنه ولأذبحنه) وعيدا على ما جرى في المسألة، لأن القائل قد يقول وهو غير متوعد: إن كان كذا ذبحت شاتي، وإن لم يطر طائري إلى الموضع الفلاني ذبحته.
لأنه مخير في أوقات هذا الذبح المباح، وكان (عليه السلام) يخبر عن ذبح الهدهد أو نتف ريشه إن لم يعلم من حاله ما يصرفه عن هذا الداعي، فلما علم وروده من تلك الجهة، انصرف عن داعي الذبح أو الأيام (2). ومعي (3) (سلطان مبين) أي يأتي بأمر يصرفني عما عزمت عليه، فكأنه حجة وسلطان.
وسليمان (عليه السلام) لم يجعل على الحقيقة الهدهد رسولا متحملا لكتاب، ولا قال له: اذهب بكتابي هذا ألقه إليهم، ثم تول فانظر ماذا يرجعون، بل لما ظهر منه (عليه السلام) ما فيه معاني هذه الحكاية وفوائدها، جاز على مذهب العرب أن يضاف إليه أنه قال ذلك.
ألا ترى أن أحدنا قد يكتب كتابا مع طائر، ويرسله إلى بعض البلدان، ليعرف أخبار تلك البلدة وأحوالها، فيجوز أن يقول هذا ويحكي عنه غيره أنه أرسل يريد الطائر، وقال: عرفني ما في ذلك البلد وصف لي أحوال كذا