إنا لو جوزنا على ما ذكرناه ألا يؤدي لم يكن إليه (1) الله تعالى مزيحا لعلة من بعدت داره من المكلفين في الاعلام بمصالحهم فيما بعثه الرسول، وأن يكون المعلوم أنه يؤدي يوجب أيضا أن يكون من المعلوم وقوع الأداء الذي ذكرناه، لأنه لا فرق بين الأمرين فيما يقتضيه التكليف.
فإن قيل: جوزوا أن يكون المؤدي عن الرسول إلى أطراف البلاد ممن (2) لا يجوز أن لا يؤدي، ومتى أخل بالأداء تلاقاه الرسول: إما بنفسه، أو بمؤد يقع منه الأداء.
قلنا: هذا يوجب أن يكون المكلفون ما أزيحت علتهم في التكليف طول المدة التي فاتهم فيها هذا الاعلام، ويقتضي أن يكون تكليفهم النبي في تلك الأحوال قبيحا.
فإن قيل: وكيف لا يلزمكم (3) ذلك في الزمان المتراخي بين صدع الرسول بالرسالة، وبين وصول الأداء إلى من نأى في البلاد البعيدة.
قلنا: أول ما نقوله أنه لا يجوز أن تكون أحوال المكلفين في الشرق والغرب فيما يكون هو مصلحة أو مفسدة من أفعالهم متساوية، لأنهم لو استووا في ذلك لوجب إعلام الجميع بصفات هذه الأفعال في حال واحدة، وكان يجب إرسال رسل كثيرين بعدد البلاد حتى يكون الأداء في وقت واحد.
وإذا وجد الرسول واحدا، وذكر أن شريعته تلزم القريب والبعيد، فلا بد من أن يعلم أن أحوالهم في المصالح تترتب على أن الصفات التي نبه عليها من أفعاله متعجلة، ومن كان بعيد الدار وفي بعد فبحسب بعده ومسافة إمكان