التواتر وظواهر القرآن في كل ما يلزمنا ويجب علينا. وإذا ثبت بذلك لم يبق بعده إلا الروايات المتداولة بيننا.
الكلام على ذلك: اعلم أنه تعالى إذا علم أن في مقدار (1) عباده أفعالا، متى وجدت أوقعت (2) منهم أفعال واجبة في العقل، ومتى لم يفعلوها لم تقع منهم تلك الأفعال الواجبة، فلا بد من إعلامهم بذلك ليفعلوه، لأن ما لا يقع الواجب إلا معه يجب في العقل كوجوبه.
وكذلك إذا علم من جملة مقدوراتهم ما إذا وقع منهم وجدت أفعال قبيحة من جهتهم لا توجد متى لم يقع ما ذكرناه فلا بد من إشعارهم بذلك، لأن ما يقع القبيح عنده، ولولاه لم يقع لا يكون إلا قبيحا، ويجب اجتنابه والامتناع منه.
وإذا كان المكلفون لا يعرفون بعقولهم صفة ما لا يقع الواجب أو القبيح عنده والتمييز بينه وبين غيره، فواجب على الله تعالى المكلف لهم المعرض للثواب والنفع أن يعلمهم بما ذكرناه، كما يجب أن يمسكهم ويزيح عللهم بالأسباب وغيرها.
وإذا لم يجز أن يعلمهم ذلك باضطرار، لأنه لا يمتنع أن يتعلق كون هذه الأفعال مصلحة لنا، بأن يكون العلم بصفاتها يرجع إلى اختيارنا، كما نقوله في المعرفة بالله تعالى.
وأن كونها لطفا موقوف على أفعالنا، ولا تقوم الضرورة مقام الاختيار، فلا بد من وجوب إرسال من يعلمهم بذلك.
ولهذا نقول: إن بعثة الرسول من كان فرض بها ما ذكرنا، فإن وجوبها تابع لحسنها، ولا بد من أن يكون المرسل لتعريف هذه المصالح ممن يعلم