ويجوز على الأمة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله أن يكتموا كثيرا من الشريعة، حتى يقف علم ذلك على بيان الإمام، فإن كان ظاهرا آمنا من ذلك استدركه، وإن كان غائبا فلا بد من ظهوره.
حتى قلتم: لو علم الله تعالى أن أسباب الغيبة تستمر في الأحوال التي تكتم فيها الأمة شرعا، حتى لا يعلم إلا من جهة الإمام، لما بقي التكليف على المكلفين لأن تبقية التكليف مع فقد الاطلاع على المصالح فيه والمفاسد قبيحة.
فإن خشيتم ما استأنفتموه في هذا الكلام وعطفتم عليه بأن تقولوا: إنما يوجب أصحابنا ظهور الإمام من الغيبة ورفع التقية، إذا اجتمعت الأمة على الخطأ، كأنهم (1) يذهبون على طريق التأويل في بعض الشريعة إلى مذهب باطل ويجمعون عليه، فيجب على الإمام ردهم إلى الحق فيه.
قيل لكم: ما يذهبون فيه إلى الباطل على طريق التأويل والشبهة وغيرها، لا يكون طريق الحق مسدودا ولا موقوفا على بيان الإمام، حتى يقال: إنه يجب عليه الظهور إن كان غائبا ويخرج أسباب التقية، لأنه يمكن أن يعلم الحق بالدليل الذي هو غير قول الإمام.
وإنما يجب ظهور الإمام حتى يتبين ما لا طريق إلى علمه إلا قوله وبيانه.
وهذا لا يتم إلا بأن يعدلوا عن نقل بعض الشرائع ويكتموه حتى يصح القول بأنه لا جهة لعلمه إلا ببيان الإمام.
والجواب عن ذلك: إن أداء الشريعة إلى من بعد في أطراف البلاد لا بد منه ولا غنى عنه، للوجه الذي أوضحناه وتبينا: أن إزاحة العلة في التكليف العقلي لا يتم إلا معه، غير أن من أدى إليهم وعلموه (2)، ويجوز أن يكتموه