فقد صار عمل الأمة وإجماعها ثابتا في الرجوع إلى أخبار الآحاد والفزع إليها فيما يوجب العلم والعمل. وإذا كان ما يشتمل عليه كتب الفقه من الرواة أزيد حالا في العدد والنزاهة مما يشتمل عليه كتب اللغة، كان حكمها في باب العلم والعمل آكد.
وإن أقمنا على القول بأن الجميع مظنون غير معلوم مع ما تقدم.
كان له أن يقول: ما حكموا بمثل ذلك في سائر ما تضمنه الكتب من أنساب وأشعار ودواوين، وتفصيل قصائدها وأبياتها وألفاظها، ومن مذاهب وآراء في أصول الديانات وفروعها: ولا يحسن منا الخبر عنها. فلا يطلق في بيت من الشعر أن قائلا (1)، وفي مذهب من المذاهب أن ذاهبا ذهب إليه بلا تعلق ذلك بشرط، كما نفعل فيما لا تفعله (2)، فنقول: روي عن فلان كذا، وحكي أن فلانا قائل بكذا، حتى يجيب ذلك في كل تفصيل.
وما الفرق بين من أقدم على هذا القول وبين من أقدم على مثله في جمل الأمور التي فصلناها وقال كثيرة ذكرها وجريانها على ألسن الناس، وحفظهم لها عن ناقليها، بل عمن حفظها.
والأصل في نقل الجملة والتفصيل واحد، فإن كانت الجملة معلومة فالتفصيل معلوم، وإن كانت مظنونة فالتفصيل تابع لها، لأنه لم يفارقها، ولا داعي إلى نقل الجملة دون تفصيلها.
الكلام على ذلك: أما اللغة العربية ففيها ما هو معلوم مقطوع على أنه لغة للقوم ومن موضوعهم، وفيها ما هو مظنون ومشتبه ملتبس.
وما هو معلوم منها فترتب أحوال الناس فيه، فمنه ما يعلمه كل أحد خاصيا