الظاهر على يده، فما الذي يسوغ ذلك في حكمة الرسول وحسن تدبيره، حتى ينفذ إلى من بعد عنه ولم يشاهد، من ليس بمعصوم يخبرهم عنه ويدعوهم إلى الله تعالى، إلى (1) قبول ما تضمنه خبره عن الرسول. ويجوز أن يؤدي ذلك وأن لا يؤديه، لكنهم متى أدوا كانوا طريقا إلى العلم لتواترهم، وتكليف الكل متساوي، وما يلزم من إزاحة عللهم وقطع عذرهم متماثل.
فإن قلنا: إن الرسول إذا كان مبعوثا إلى الجميع، وكان من وراء من يبعثه مراعيا له ومتداركا لما يقع منه من الخلل والتفريط، كان في الحكم بخبر الكل داعيا لهم وإن لم يشاهدوه ويشافهوه بالخبر والدعاء.
كان لقائل أن يقول مثل ذلك في الله تعالى، لأنه رب الكل وإلههم ومن ينفذه إليهم يراعيهم، ويتدارك ما يقع فيه الخلل والتفريط منهم، فهو في حكم المخبر للكل والداعي إليهم، وإن لم نشاهده وشافههم (2) بالخبر والدعاء.
هذا إن كان ما ذكرناه من عصمة الداعي مما يقتضي العقول عموم كونه لطفا في حق سائر المكلفين. فأما إن كان مما يختلف حالهم فيه، فيكون منهم من دعاء المعصوم وخبره، يكون معه أقرب إلى القبول، ومنهم من يتساوى في دعائه وقبوله المعصوم وغيره، لم يكن إلى وجوب عصمة الرسول طريق في العقل، وكان كسائر الألطاف التي يختلف حالها، يقف العلم بها على السمع، وهذا مما لا نقوله.
وإن سوينا بين الرسول، وبين من ينفذ من قبله إلى من بعد عنه في العصمة، وصرنا إلى ما يحكى عن بعض أصحابنا. كان له أن يقول: فما الطريق الذي يعلم به من ينفذون إليهم عصمتهم؟