يا أبا ذر، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنه أهون لحسابك غدا، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا يخفى على الله خافية، استح من الله، فإني والذي نفسي بيده لا ظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين معي.
يا أبا ذر، أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم فداك أبي. قال: فاقصر من الامل، واجعل الموت نصب عينك، واستح من الله حق الحياء.
قال: قلت يا رسول الله، كلنا نستحي من الله. قال: ليس كذلك الحياء، ولكن الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلى، والجوف وما وعى، والرأس وما حوى، فمن أراد كرامة الاجر فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.
يا أبا ذر، يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
يا أبا ذر، مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر.
يا أبا ذر، إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.
يا أبا ذر، إن ربك (عز وجل) يباهي الملائكة بثلاثة نفر. رجل يصبح في الأرض فردا، فيؤذن ثم يصلي، فيقول ربك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد، فيقول (تعالى): انظروا إلى عبدي روحه عندي، وجسده في طاعتي ساجد، ورجل في زحف فر أصحابه وثبت وهو يقاتل حتى يقتل.
يا أبا ذر، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة، وما من منزل نزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.
يا أبا ذر، ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا: يا جارة، هل مر بك اليوم ذاكر لله (تعالى)، أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله (تعالى)؟ فمن قائلة:
لا. ومن قائلة: نعم، فإذا قالت: نعم، اهتزت وانشرحت وترى أن لها فضلا على جارتها.