مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه (١)، فكان (عليه السلام) يشد على قدمه شد الفرس، أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا أعبد غير الواحد فتصدع عنه القوم وقالوا له: اغن عنا نفسك يا بن أبي طالب. قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيثرب، فمن سره أن أفري لحمه وأريق دمه فليتعقبني أو فليدن مني. ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما: أطلقا مطايا كما.
ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان، فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فظل ليلته تلك هو والفواطم - أمه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنت الزبير - طررا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلا بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله (تعالى): (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) إلى قوله: (فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) الذكر علي، والأنثى الفواطم المتقدم ذكرهن، وهن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبير (بعضكم من بعض) يقول:
علي من فاطمة - أو قال: الفواطم - وهن من علي ﴿فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب﴾ (2)