وهذا الحكم مسلم بين الفقهاء، وإنما الكلام في وجهه.
فقال بعض: من جهة القاعدة، المعروفة وهي: (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) فإذا أقر الغاصب أو غيره ممن يكون المال بيده لشخص آخر فحيث أن هذا الإقرار عليه، أنفذه الشارع عليه ولكن أنت خبير بأن مفاد هذه القاعدة ليس إلا نفوذ الإقرار على نفس المقر لا على غيره، فإذا أقر ذو اليد لشخص بما في يده فهذا الإقرار له جهتان: جهة نفي كون المال لنفسه - وهي عليه ونافذ، ويؤخذ المال منه - وجهة إثبات للمقر له، وهذه ليست عليه، بل على ذلك الطرف الآخر فلا يمكن انفاذها بهذه القاعدة.
وأما ما يقال: من أن الظرف لو كان متعلقا بالإقرار يكون معنى القاعدة أن الإقرار الذي صدر من المقر وكان عليه فهو جائز ونافذ مطلقا، سواء أكان بالنسبة إلى الغير له أو عليه. فلو أقر ذو اليد بأن ما في يده ملك لفلان الذي هو أحد المتنازعين، فهذا الإقرار نافذ على ذلك الطرف الآخر ولو كان عليه، لا له، لأنه إقرار على المقر فيكون نافذا وجائزا.
فجوابه أولا: أن الظاهر من هذا الكلام أن الظرف متعلق بجائز لا بالإقرار، و وجه تقديمه عليه إفادة الحصر، لأن تقديم ما هو حقه التأخير يفيد الحصر، بمعنى أن نفوذ إقرار العقلاء وجوازه يكون على أنفسهم لا على غيرهم، فتأمل.
وثانيا: على فرض أن يكون متعلقا بالإقرار لاشك في أنه يضيق الموضوع ويخصصه، فيكون حكم الشارع بالنفوذ في إحدى الحصتين من الإقرار لا على الطبيعة المطلقة، فتكون النتيجة أن الإقرار الذي على المقر بما أنه عليه نافذ وجائز، فحينئذ إذا كان في الإقرار جهتان: جهة على المقر وجهة أخرى ليس عليه، فالذي يكون نافذا هي الجهة الأولى.
وبعبارة أخرى: حيث أن العاقل لا يقر على ضرر نفسه بلا جهة وكذبا، فإذا أقر