على هذا الاستدلال، يكشف كشفا قطعيا عن إمضاء الشارع لهذه الطريقة والبناء.
الثالث: الإجماع على رجوع المغرور إلى الغار بمقدار الضرر الذي أوقعه الغار فيه. ولا خلاف بينهم في ذلك، وإن كان خلاف ففي بعض موارد تطبيق القاعدة على صغرياتها من دون تشكيك في أصل الكبرى. مثلا ربما يقع الخلاف في أنه إذا كان الغار جاهلا ومشتبها، مثلا مدح بنتا بأنها جميلة ولها ثروة كثيرة ولكن باعتقاد أنها كذلك لسماعه من الناس في حقها وتصديقه إياهم مع أنها ليست كذلك، فاغتر المغرور بمدحه وبذل لها مهرا كثيرا للطمع في مالها وجمالها، فظهر أنها ليست كذلك، فهل في مثل هذا المورد يصدق الغار على الذي أوقعه في هذه الخسارة أم لا؟.
وأنت خبير بأن هذا الخلاف لا دخل له في إنكار الكبرى فالإنصاف أن الفقيه المتتبع في موارد تطبيق هذه القاعدة لا يجد بدا إلا من تصديق تحقق هذا الإجماع ووجوده، ولكن حيث أنه من المحتمل القريب أن يكون المتفقون معتمدين على تلك الرواية المشهورة وإن كان مدركهم غير صحيح عند جماعة أخرى الذين ينكرون وجود تلك الرواية، أو كانوا معتمدين على مدرك آخر وعلى هذه الاحتمالات، فلا يكون من الإجماع المصطلح في الأصول الذي بنينا على حجيته.
الرابع: هو أن الغار أتلف ذلك المقدار الذي خسر المغرور وتضرر، من جهة أنه كان سببا لوقوع المغرور في هذه الخسارة. والسبب هاهنا أقوى من المباشر: لأن المباشر جاهل مغرور ومخدوع، فيكون المباشر بمنزلة آلة لتلف ذلك المقدار من المال، فبناء على هذا ليست قاعدة الغرور قاعدة مستقلة، بل تكون من صغريات قاعدة التلف، فيكون الدليل على قاعدة التلف دليلا على هذه القاعدة.
ولكن أنت خبير بأن هذا الوجه لا صغرى له ولا كبرى.
أما عدم الصغرى، فمن جهة أن المراد من كون الغار سببا لو كان أن تغريره علة تامة لوقوع المغرور في هذا الضرر، أو هو يكون جزء الأخير من العلة التامة، فقطعا