(المبحث) الرابع في أنه لا يجري هذا الأصل إلا بعد وجود الشئ فحينئذ إذا شك في أن ما أتي به هل صحيح، أي تام من حيث الأجزاء والشرائط وعدم الموانع ويترتب عليه الأثر المقصود منه، أم لا؟ فبمقتضى هذا الأصل يحكم عليه بالصحة، ويرتب عليه الأثر المقصود منه. وأما قبل وجوده فلا معني لأن يقال: إن ما يريد أن يأتي به صحيح وتام ويترتب عليه الأثر.
فلو شك في أثناء عمل شخص أن ما يأتي به هل هو صحيح أم لا، لا مورد لجريان أصالة الصحة، وليس بناء العقلاء على الحكم بالصحة وترتيب آثارها عليه قبل وجود الشئ في وعاء وجوده.
فلو أراد رجل أن يصلي على الميت، أو يغسله، أو أراد أن يحج فإجراء أصالة الصحة قبل وجود هذه المذكورات فيها لا يخلو من غرابة، وكذلك في أثناء العمل مثلا لو دخل شخص في إحرام عمرة حج التمتع، فالحكم بصحة عمرته وحجه بمحض دخوله في الإحرام من باب أصالة الصحة لا صحة فيه.
نعم بالنسبة إلى تلك القطعة التي أتى بها يمكن أن يقال إنها صحيحة من باب بناء العقلاء أو التعبد، وأما بالنسبة إلى مجموع العمل الذي لم يأت به بعد، كيف يمكن أن يقال إن المأتي به موافق للمأمور به؟ فالحق أن موطن جريان أصالة الصحة هو بعد وجود العمل والفراغ عنه.
فالفرق بينها وبين قاعدة الفراغ في عمل النفس هو أن الدخول في الغير لا يحتاج إليه هاهنا، ولو قلنا بالاحتياج إليه في قاعدة الفراغ وذلك كله من جهة أن معنى أصالة الصحة عند العقلاء هو أن العمل الذي صدر عن الغير ويشك فيه أنه أوجده صحيحا وتاما لا خلل فيه أو ناقص غير تام وفيه الخلل، يبنون على صحته وتماميته: فموضوع أصالة الصحة هو العمل الصادر عن الغير