الضرر على نفس المكلف أو على غيره، كوجوب الوضوء الذي حصل من قبل وجوبه ضرر مالي أو بدني على المكلف، وكلزوم المعاملة في المعاملة الغبنية حيث نشأ من قبله ضرر على المغبون - مرفوع ولا يخفى أنه بناء على هذا القول استعمل كلمة (لا) في معناها الحقيقي، لأن معناها الحقيقي كما ذكرنا نفي جنس مدخوله حقيقة لا ادعاء، ولا شك في أن رفع الحكم الضرري من الشارع رفع حقيقي، لأنه لا وجود للحكم الضرري - لو كان - إلا في عالم التشريع، والمفروض أنه رفعه بهذه الجملة بناء على هذا القول.
والفرق بين هذا القول والقول الثاني، أي ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) لا يكاد يخفى، لأن المرفوع ابتداء في القول السابق هو متعلق الحكم، وفي هذا القول نفس الحكم.
ويترتب على هذا الفرق آثار، وقد ذكرنا في دليل الانسداد أن لزوم الاحتياط بالجمع بين المحتملات - في حال الانسداد في أطراف المعلوم بالإجمال - بحكم العقل فإذا كان الاحتياط بالمعنى المذكور حرجيا أو ضرريا فإن قلنا بالقول الثاني - أي ما ذهب إليه صاحب الكفاية في قاعدتي الضرر والحرج - فلا يمكن رفع وجوب الاحتياط بكل واحدة من القاعدتين: لأن متعلق الأحكام الواقعية ليس فيها حرج ولا ضرر حتى يرتفع برفعها الأحكام، والاحتياط، أي الجمع بين المحتملات.
وإن كان حرجيا أو ضرريا ولكن وجوبه عقلي، ليس من المجعولات الشرعية حتى يرتفع برفع موضوعه في عالم التشريع، وهو (قدس سره) اعترف في الكفاية بذلك.
وأما لو قلنا بالقول الثالث، أي كون المرفوع نفس الحكم الذي نشأ من قبله الضرر، فيمكن أن يقال: إن الضرر نشأ من قبل الأحكام المجعولة فترتفع، فلا يبقى موضوع لحكم العقل بوجوب الاحتياط، فيكون الاحتياط لو كان واجبا شرعيا لا عقليا بالمقدار الذي يرفع الخروج من الدين.