غافلا عن معتقده حال العمل وأتى بالصحيح الواقعي من باب الصدفة والاتفاق، وكلاهما مخالف للأصل العقلائي.
(المبحث) الثالث أن هذا الأصل لا يجري إلا بعد إحراز عنوان العمل، مثلا لو علم بأنه صدر منه عملا ولم يعلم العنوان وأنه بيع، أو إجارة، أو هبة أو غير ذلك فلا مورد لجريان أصالة الصحة: وذلك من جهة أن بناء العقلاء على أن العمل الصادر عن الغير بعد صدوره بعنوان الغسل مثلا واحتمل فقد جزء، أو شرط، أو وجود مانع لا يعتنون بذلك الاحتمال، ويبنون على الصحة. وأما إذا كان الشك والاحتمال في أنه هل قصد الغسل أو السباحة فليس بنائهم على صحة هذا الغسل: لأنه في العناوين القصدية قصد العنوان بمنزلة الموضع لهذا الأصل، فلا معنى لإجرائه مع الشك في موضوعه.
ولذلك لو شك في صلاة الظهر أو العصر مثلا وأنه هل قصد عنوان الظهرية أو العصرية - وكذلك في سائر الصلوات، بل وفي كل فعل معنون بعنوان قصدي الذي لا يتحقق إلا بذلك العنوان - لا يجري هذا الأصل إلا بعد احراز ذلك العنوان.
نعم لو كان الفعل الذي يصدر منه من غير العناوين القصدية كالتطهير عن الخبث - حيث أنه ليس متقوما بالقصد - فحمله على الصحة عند الشك في إتيان بعض شرائطه يمكن، ولو مع عدم إحراز أنه قصد بهذا الفعل تطهير ثوبه مثلا أم لا.
فلو رأى إنسانا يغسل ثوبه ولكن لم يحرز أنه بصدد تطهير ذلك الثوب، ويحتمل أن يكون غسله بقصد إزالة الوسخ لا بقصد التطهير، فلو شك في أنه هل عصر ذلك الثوب الذي غسله بالماء - بناء على اشتراط التطهير بالعصر فيما يقبل العصر - فيمكن إجراء أصالة الصحة والحكم بطهارة ذلك الثوب.