فكيف وقد خالفوا هذا الخبر نفسه وهدموا به أكثر أصولهم؟! لأنهم يقولون:
لا يقبل خبر الآحاد الثقات (1) التي لم يجمع عليها فيما (2) إذا كثرت به البلوى، وهذا أمر تكثر به البلوى، ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم! فقبلوا فيه خبرا لا خير فيه.
وهم قد ردوا بأقل من هذا خبر الوضوء من مس الذكر، ويقولون: لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا كان زائدا على ما في القرآن أو مخالفا له، وردوا بهذا حديث اليمين مع الشاهد، وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن.
ولا خلاف للقرآن أكثر من قول الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فقالوا هم: إلا بنى تغلب فلا يؤدون الجزية ولا صغار عليهم، بل يؤدون الصدقة مضاعفة، فحالفوا القرآن، والسنن المنقولة نقل الكافة (3) بخبر لا خير فيه!.
وقالوا: لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا خالف الأصول، وردوا بذلك خبر القرعة في الاعبد الستة، وخبر المصراة، وكذبوا، ماهما مخالفين للأصول! بل هما أصلان من كبار الأصول.
وخالفوا ههنا جميع الأصول في الصدقات، وفى الجزية بخبر لا يساوي بعرة!.
وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات، وردوا بذلك خبر (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان) وخبر (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) وأخذوا ههنا بأسقط خبر وأشده اضطرابا، لأنه يقول راويه مرة: عن السفاح بن مطرف، ومرة: عن السفاح ابن المثنى، ومرة: عن داود بن كردوس أنه صالح عمر بنى تغب، ومرة: عن داود ابن كردوس عن عبادة بن النعمان أو زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر.
ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فان جميع هؤلاء لا يدرى أحد من هم من خلق الله تعالى؟.
وكم من قضية (4) خالفوا فيها عمر، ككلامه مع عثمان في الخطبة، نفيه في الزنا، وإغرامه في السرقة بعد القطع، وغير ذلك.