وأما نحن فان هذا لا يلزم عندنا، لان الفرائض لا تجب الا بنص أو اجماع. ومن سلك هذه الطريق في الاستدلال فإنه يريد ايجاب الفرائض وشرع الشرائع باختلاف، لا نص فيه، وهذا باطل، ولم يتفق قط على وجوب ايعاب جميع الرأس في الوضوء ولا على التدلك في الغسل، ولا على ايجاب الزكاة في خمس من البقر فصاعدا إلى الخمسين.
وإنما كأن يكون استدلالهم هذا صحيحا لو وافقناهم على وجوب كل ذلك ثم أسقطنا وجوبه بلا برهان، ونحن لم نوافقهم قط على وجوب غسل فيه تدلك، ولا على ايجاب مسح جميع الرأس، ولا على ايجاب زكاة في خمس من البقر فصاعدا، وإنما وافقنا هم على ايجاب الغسل دون تدلك، وعلى ايجاب مسح بعض الرأس لاكله، وعلى وجوب الزكاة في عدد ما من البقر، لافى كل عدد منها، فزادوهم بغير نص ولا اجماع ايجاب التدلك ومسح جميع الرأس والزكاة في خمس من البقر فصاعدا وهذا شرع بلا نص ولا اجماع، وهذا لا يجوز فهذا يلزم ضبطه، لئلا يموه فيه أهل التمويه بالباطل، فيدعوا اجماعا حيث لا اجماع، ويشرعوا الشرائع بغير برهان، ويخالفوا الاجماع المتيقن.
وبالله تعالى التوفيق.
وأما احتجاجهم بقياس البقر على الإبل في الزكاة فلازم لأصحاب القياس لزوما لا انفكاك له، فلو صح شئ من القياس لكان هذا منه صحيحا (1)، وما نعلم في الحكم بين الإبل والبقر فرقا مجمعا عليه، ولقد كان يلزم من يقيس ما يستحل به فرج المرأة المسلمة في النكاح من الصداق على ما تقطع فيه يد السارق، ومن يقيس حد الشارب على حد القاذف، ومن يقيس السقمونيا علي القمح والتمر، ويقيس الحديد والرصاص والصفر على الذهب والفضة، ويقيس الجص على البر والتمر، في الربا، ويقيس الجوز على القمح في الربا، وسائر تلك المقاييس السخيفة!، وتلك العلل المفتراة الغثة!:
أن يقيس البقر على الإبل في الزكاة، والا فقد تحكموا بالباطل وأما نحن فالقياس كله عندنا باطل.
وأما قولهم: لم نجد في الأصول ما يكون وقصه ثلاثين، فإنه عندنا تخليط وهوس!
لكنه لازم أصح لزوم لمن قال محتجا لباطل قوله في ايجاب الزكاة ما بين الأربعين والستين من البقر: اننا لم نجد في الأصول ما يكون وقصه تسعة عشر، ولكن القوم متحكمون.