أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومئ إليه أن مكانك ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه فقيل للأعمش فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر فقال نعم ولمسلم عن جابر نحوه وفيه أن أبا بكر كان مأموما وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام وفيه وأبو بكر يسمع الناس تكبيره والجواب أن هذه الأحاديث المختلفة قد جمع بينها بن حبان والبيهقي وابن حزم فقال بن حبان ونحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه إن هذه الأخبار كلها صحاح وليس شئ منها معارض الآخر ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في عليه صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة في أحداهما كان مأموما وفي الأخرى كان إماما قال والدليل على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة أن في خبر عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بين رجلين تريد بأحدهما العباس وبالآخر عليا وفي خبر مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بين بريدة وثوبة قال فهذا يدلك على أنها كانت صلاتين لا صلاة وقال البيهقي في المعرفة والذي نعرفه بالاستدلال بسائر الاخبار أن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر هي صلاة الصبح يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها حتى مضى لسبيله وهي غير الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه قال ولا يخالف هذا ما ثبت عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين وكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ونظره إليهم وهم صفوف في الصلاة وأمره إياهم باتمامها وإرخائه الستر فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى ثم إنه وجد في نفسه خفة فخرج فأدرك معه الركعة الثانية قال والذي يدل على ذلك ما ذكر موسى بن عقبة في المغازي وذكره أبو الأسود عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين فغدا صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له وقد سجد الناس مع أبي بكر في صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر فأخذ صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه فصفا جميعا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن فلما قضى أبو بكر قراءته قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الأخيرة ثم جلس أبو بكر حين قضى سجوده يتشهد والناس جلوس فلما سمل أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد فذكر القصة في دعائه أسامة بن زيد وعهده إليه فيما بعثه فيه ثم في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رواه بإسناده إلى بن شهاب وعروة قال البيهقي فالصلاة التي صلاها أبو بكر وهو مأموم هي صلاة الظهر وهي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفضل بن عباس وغلام له قال وفي ذلك جمع بين الاخبار التي وردت في هذا الباب وقال بن حزم أيضا إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك إحداهما التي رواها الأسود عن عائشة وعبيد الله عنها وعن بن عباس صفتها أنه عليه السلام أم الناس والناس خلفه وأبو بكر عن يمينه في موقف المأموم الذي يسمع الناس تكبيره والصلاة الثانية التي رواها مسروق وعبيد الله عن عائشة وحميد عن أنس صفتها أنه عليه الصلاة والسلام كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس فارتفع الاشكال جملة قال وليست صلاة واحدة في الدهر فجعل ذلك على التعارض بل في يوم خمس صلوات ومرضه عليه الصلاة والسلام كان مدة اثني عشر يوما فيه ستون صلاة أو نحو ذلك انتهى
(٦٠)