الآخر والخلفاء هلم جرا قال الشيخ جمال الدين بن هشام هذا كلام مستعمل في العرف كثيرا وذكره الجوهري في صحاحه فقال تقول كان ذلك عام كذا وهلم جرا إلى اليوم وفي العباب للصغاني مثله وقال بن الأنباري في كتاب الزاهر معنى هلم جرا سيروا على هيئتكم أي تثبتوا في سيركم ولا تجهدوا أنفسكم قال وهو مأخوذ من الجر وهو أن تنزل الإبل والغنم ترعى في السير قال وفي انتصاب جرا ثلاثة أوجه أحدها أن يكون مصدرا وضع موضع الحال والتقدير هلم جارين أي متثبتين الثاني أن يكون على المصدر لأن في هلم معنى جر فكأنه قيل جروا جرا وقال بعض النحويين جرا نصب على التمييز وقال أبو حيان في الارتشاف وهلم جرا معناه تعال على هيئتك وانتصاب جرا على أنه مصدر في موضع الحال أي جارين قاله البصريون وقال الكوفيون مصدر لأن معنى هلم جر وقيل انتصب على التمييز وأول من قاله عابد بن زيد قال فإن جاوزت مغفرة رمت بي إلى أخرى كتلك هلم جرا قال بن هشام وبعد فعندي توقف في كون هذا التركيب عربيا محضا والذي رابني منه أمور الأول أن إجماع النحويين واللغويين منعقد على أن لهلم معنيين أحدهما تعال فتكون قاصرة كقوله تعالى هلم إلينا أي تعالوا إلينا والآخر أحضر فتكون متعدية كقوله تعالى هلم شهداءكم أي أحضروهم ولا مساغ لاحد المعنيين هنا الثاني أن إجماعهم منعقد على أن فيها لغتين حجازية وهي التزام استتارها ضميرها فتكون اسم فعل وتميمية وهي أن يتصل بها ضمائر الرفع البارزة فتكون فعلا ولا نعرف لها موضعا أجمعوا فيه على التزام كونها سام فعل ولم يق أحد أنه سمع هلما جرا ولا هلموا جرا ولا هلمي جرا الثالث أن تخالف الجملتين المتعاطفتين بالطلب والخبر ممتنع أو ضعيف وهو لازم هنا إذا قلت كان ذلك عام أول وهلم جرا الرابع أن أئمة اللغة المعتمد عليهم لم يتعرضوا لهذا التركيب حتى صاحب المحكم مع كثرة استيعابه وتتبعه وإنما ذكره صاحب الصحاح وقد قال أبو عمرو بن الصلاح في شرح مشكلات الوسيط أنه لا يقبل ما تفرد به وكان ذلك على ما ذكره في أول كتابه من أنه ينقل عن العرب الذين سمع منهم فإن زمانه كانت اللغة فيه قد فسدت واما صاحب العباب فإنه قلد صاحب الصحاح فنسخ كلامه وأما بن الأنباري فليس كتابه موضوعا لتفسير الألفاظ المسموعة من العرب بل وضعه للكلام على ما يجري في محاورات الناس وقد يكون تفسيره على تقدير أن يكون عربيا فإنه لم يصرح بأنه عربي ولذلك لا أعلم أحدا من النحاة تكلم عليها غيره ولخص أبو حيان أشياء من كلامه فوهم فيه لأنه ذكر أن الكوفيين قالوا إن جرا مصدر والبصريين قالوا إنه حال وهذا يقتضي أن الفريقين تكلموا في إعراب ذلك وليس كذلك وإنما قال بن الأنباري ان قياس إعرابه على قواعد البصريين أن يقال إنه حال وعلى قواعد الكوفيين أن يقال إنه مصدر هذا معنى كلامه وهذا هو الذي فهمه أبو القاسم الزجاجي ورد عليه فقال البصريون لا يوجبون في نحو ركضا من قولك جاء زيد ركضا أن يكون مفعولا مطلقا بل يجيزون أن يكون التقدير جاء
(٢٣٣)