وبقي الأثر بعد الاندمال وجبت الحكومة، والعظم المكسور في غير الرأس والوجه إذا انجبر ولم يبق فيه أثر اعتبر أقرب نقص إلى الاندمال كما مر، وإن بقي أثر وهو الغالب وجبت الحكومة، ولو انجبر معوجا فكسره الجاني ليستقيم وليس له كسره لذلك حكومة أخرى، لأنه جناية جديدة. وفي إفساد منبت الشعور حكومة إذا كان فيه جمال كشعر اللحية وشعر الرأس. أما ما الجمال في إزالته كشعر الإبط فلا حكومة فيه في الأصح وإن كان التعزير واجبا للتعدي كما قاله الماوردي وإن كان ظاهر كلام ابن المقري فيه وجوب الحكومة أيضا. أما إذا لم يفسد منبتها فإنه لا حكومة فيها لأنها تعود غالبا. وضابط ما يوجب الحكومة وما لا يوجبها إن بقي أثر الجناية من ضعف أو شين أوجب الحكومة وكذا إن لم يبق على الأصح بأن يعتبر أقرب نقص إلى الاندمال كما مر. وإن كانت الجناية بغير جرح ولا كسر كإزالة الشعور واللطمة فلا حكومة فيه وفيه التعزير كما علم مما مر. ثم عقب المصنف الحكومة ببيان حكم الجناية على الرقيق لاشتراكهما في أمر تقديري وإن كان استوفى الكلام على ضمان الرقيق وغيره من الحيوان في كتاب الغصب بأبسط مما هنا، إلا أنه أعاد الكلام فيه هنا ليبين أن الجناية عليه تارة تكون بإثبات اليد عليه كما سبق في الغصب وتارة بغير ذلك كما هنا فقال: (و) تجب (في) الجناية على (نفس الرقيق) المعصوم ذكرا كان أو أنثى ولو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد (قيمته) بالغة ما بلغت سواء أكانت الجناية عمدا أم خطأ وإن زادت على دية الحر كسائر الأموال المتلفة، ولا يدخل في قيمته التغليظ. أما المرتد فلا ضمان في إتلافه. قال في البيان: وليس لناشئ يصح بيعه ولا يجب في إتلافه شئ سواه (و) يجب (في) إتلاف (غيرها) أي نفس الرقيق من أطرافه ولطائفة (ما نقص من قيمته) سليما (إن لم يتقدر) ذلك الغير (في الحر) ولم تبع مقدرا ولا يبلغ بالحكومة قيمة جملة الرقيق المجني عليه أو قيمة عضوه على ما سبق في الحر. (وإلا) بأن قدرت في الحر كموضحة وقطع عضو (فنسبته) أي فيجب مثل نسبته من الدية (من قيمته) أي الرقيق لأنا نشبه الحر بالرقيق في الحكومة ليعرف قدر التفاوت ليرجع به، ففي المشبه به أولى، ولأنه أشبه الحر في أكثر الأحكام بدليل التكليف فألحقناه في التقادير، ففي قطع يده نصف قيمته، وفي يديه قيمته، وفي أصبعه عشرها، وفي موضحته نصف عشرها، وعلى هذا القياس.
تنبيه: قوله: وإلا فنسبته من قيمته، محله في جناية واحدة أو جنايتين بعد اندمال الأولى، فإن لم تندمل الأولى كما لو قطع يد عبد قيمته ألف درهم فصار يساوي ثمان مائة درهم فإنا نغرمه على الأظهر خمسمائة درهم لأنها نصف القيمة، فإذا قطع آخر يده الأخرى قبل الاندمال ولم يمت منهما لا نغرمه أربعمائة بل نصف ما أوجبناه على الأول وهو مائتان وخمسون، لأن الجناية الأولى لم تستقر حتى يضبط النقصان، وقد أوجبنا بها نصف القيمة، فكأنه أنقص نصفها، لأنه قبل الاندمال لا يقوم فيؤخذ منه نصف ما بقي، وتظهر فائدة ذلك فيما لو جنى عليه بحز رقبته (وفي قول) نسبة المصنف في الغصب القديم: يجب (ما نقص) من قيمته، لأنه مملوك كالبهيمة. ثم فرع على القولين معا قوله: (ولو قطع ذكره وأنثياه) ونحوهما مما يجب للحر فيه ديتان (ففي الأظهر) يجب بقطعهما (قيمتان) كما يجب فيهما من الحر ديتان (و) في (الثاني) يجب (ما نقص) من قيمته كالبهيمة (فإن لم ينقص) عنها أو زاد عليها لرغبة فيه بكونه خصيا (فلا شئ) يجب بقطعهما على هذا القول لعدم النقص، وقد اختلف فيه أهو قديم أم مخرج؟
وعلى هذا فالأولى التعبير بالمذهب أو النص أو الجديد.
خاتمة: قال الماوردي: من نصفه حر يجب في طرفه نصف دية طوف الحر، ونصف ما في طرف العبد ففي يده ربع الدية وربع القيمة، وفي أصبعه نصف عشر الدية ونصف عشر القيمة، وعلى هذا القياس فيما زاد من الحرية أو نقص.