مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٨٨
العاثر) بغير قصد (بها) أي البئر فهلك (فعلى الواضع الضمان) لأن التعثر هو الذي ألجأه إلى الوقوع فيها المهلك له فوضع الحجر سبب أول للهلاك، وقد ترجح بما ذكر، وحفر البئر سبب ثان له، فلو ترجح الحفر بالقوة كأن حفر بئرا عدوانا فوضع آخر سكينا فيها ومات المتردي بالسكين فالضمان على الحافر، لأن الحفر أقوى السببين لأنه الملجئ له إلى السقوط على السكين، فإن لم يتعد الحافر كأن كان مالكا فلا ضمان عليهما. أما المالك: فظاهر، وأما الآخر: فلان السقوط في البئر هو الذي أفضى إلى السقوط على السكين، فكان الحافر كالمباشر والآخر كالمتسبب، بل هو غير معتد كما سيأتي، فإن استوى السببان كأن حفر شخص بئرا قريبة العمق فعمقها غيره فضمان من تردى فيها عليهما بالسوية، ولو تفاضلا في الحفر كأن حفر أحدهما ذراعا والآخر ذراعين كالجراحات، ولو طمت بئر حفرت عدوانا فنبشها آخر فالضمان عليه لانقطاع أثر الحفر الأول بالطم، سواء كان الطام الحافر أم غيره.
تنبيه: أطلق المصنف الواضع، ولا بد فيه أن يكون من أهل الضمان، فلو تعدى بحفر بئر ووضع حربي أو سبع الحجر فلا ضمان على أحد على الصحيح: وخرج بقولنا: بغير قصد ما لو رأى العاثر الحجر فلا ضمان كما في حفر البئر، ذكره الرافعي بعد هذا الموضع (فإن لم يتعد الواضع) للحجر كأن وضعه في ملكه (فالمنقول) كما عبر به في الروضة وأصلها (تضمين الحافر) لأنه المتعدي بخلاف الواضع. قال الرافعي: وينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والواضع ضمان كما لو حفر بئرا عدوانا ووضع السيل أو سبع حجرا فعثر به إنسان وسقط في البئر فهو هدر على الصحيح. قال:
ويدل عليه أن المتولي قال: لو حفر في ملكه بئرا ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات فلا ضمان على واحد منهما، أما الحافر: فظاهر، وأما الآخر: فلان الوقوع في البئر هو الذي أفضى في الوقوع على الحديدة فكان حافر البئر كالمباشر والآخر كالمتسبب اه‍. وفرق البلقيني بين مسألتنا ومسألة السيل ونحوه بأن الوضع في مسألتنا فعل من يقبل الضمان فإذا سقط عنه لعدم تعديه فلا يسقط عن المتعدي بخلافه في مسألة السيل ونحوه، فإن فاعله ليس مهيئا للضمان أصلا فسقط الضمان بالكلية اه‍. وأما المستدل به فيحمل كما قال شيخنا على ما إذا كان الواقع في البئر متعديا بمروره أو كان الناصب غير متعد، فإن لم يتعد الحافر أيضا فلا ضمان على واحد منهما.
تنبيه: لما كان الحكم في المسألة مشكلا عبر هنا وفي الروضة تبعا للرافعي بالمنقول للتنبيه على ذلك، إلا أن قولهما: المنقول يقتضي أن لا نقل يخالف ذلك، وما نقلاه عن المتولي يخالفه، فينبغي أو يحمل قولهما: المنقول على المشهور.
فروع: لو كان بيد شخص سكين فألقى رجل رجلا عليها فهلك ضمن الملقي، لا صاحب السكين إلا أن يلقاه بها فيضمن، ولو وقع في بئر فأرسل رجل حبلا فشده العبد في وسطه وجره الرجل فسقط العبد فمات ضمنه كما قاله البغوي في فتاويه، ولو وقف اثنان على بئر فدفع أحدهما الآخر فلما هوى جذب معه الدافع فسقطا فماتا، قال الصيمري: فإن جذبه طمعا في التخلص وكانت الحالة توجب ذلك فهو مضمون، ولا ضمان عليه، وإن جذبه لا لذلك بل لاتلاف المجذوب ولا طريق لخلاص نفسه بمثل ذلك، فكل منهما ضامن للآخر لو تجارحا (ولو وضع) شخص (حجرا) في طريق عدوانا (وآخران حجرا) كذلك (فعثر بهما) آخر فمات (فالضمان) عليهم للعاثر (أثلاث) وإن تفاوت فعليهم نظرا إلى عدد رؤوس الجناة كما لو مات بجراحة ثلاثة واختلفت الجراحات (وقيل) الضمان (نصفان) على الأول نصف وعلى الآخر نصف نظرا إلى عدد الموضوع ورجحه البلقيني، إذ ليس هذا كالجراحات التي لها نكاية في الباطن بل هو إلى صورة الضربات أقرب بل أولى في الحكم.
تنبيه: كلام المصنف يفهم أنه لا فرق في حجر الآخرين بين أن يكون بجنب الأول أو لا، لكن المحرر والروضة وأصلها قيدوه بكونه بجنبه فيحتمل أن يكون لنفي الضمان عما لو لم يكن بجنبه، ويحتمل خلافه. والظاهر أنه قيد
(٨٨)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548