الشافعي، وهو يقتضي اعتبار الاكثار في الجميع. (وليس فقيه قباء) بالمد، سمي لذلك لاجتماع أطرافه، ولبس جمال لبس القضاة، (وقلنسوة) وهو بفتح القاف واللام، وبضم القاف مع السين: ما يلبس على الرأس. هذا (حيث) أي في بلد لا يعتاد للفقيه لبسها. وقيد في الروضة لبسهما للفقيه بأن يتردد فيهما، فأشعر بأن لبسهما في البيت ليس كذلك. (وإكباب على لعب الشطرنج) بحيث يشغله عن مهماته وإن لم يقترن به ما يحرمه، ويرجع في قدر الاكباب للعادة، أما القليل من لعب الشطرنج فلا يضر في الخلوة، بخلاف قارعة الطريق فإنه هادم للمروءة. والاكباب على لعب الحمام كالاكباب على لعب الشطرنج. (أو) على (غناء أو سماعه) أي استماعه، ولو عبر به لكان أولى، سواء اقترن بذلك ما يوجب التحريم أم لا. ومثل ما ذكر الاكباب على إنشاد الشعر واستنشاده حتى يترك مهماته، وكذا اتخاذ جارية أو غلام للغناء للناس والكسب بالشعر. قال الرافعي بحثا: والغناء قد لا يزري بمن يليق به، فلا يكون تاركا للمروءة. (وإدامة) أي إكثار (رقص). وقوله: (يسقطها) أي المروءة في جميع هذه الصور كما مر التنبيه عليه خبر قوله: فالاكل وما عطف عليه. (والامر فيه) أي مسقط المروءة (يختلف بالاشخاص والأحوال والأماكن) لأن المدار على العرف قد يستقبح من شخص دون آخر. وفي حال دون آخر وفي قطر دون آخر كما علم مما مر، فحمل الماء والأطعمة أي إلى البيت شحا لا اقتداء بالسلف التاركين للتكلف حرم مروءة ممن لا يليق به، بخلاف من يليق به ومن يفعله اقتداء بالسلف، والتقشف في الاكل واللبس كذلك.
تنبيه: يرجع في قدر الاكثار للعادة، وظاهر تقييدهم ما ذكر بالكثرة أنه لا يشترط فيما عداها، لكن ظاهر نص الشافعي والعراقيين وغيرهم أن التقييد في الكل، ذكره الزركشي، ثم قال: وينبغي التفصيل بين ما يعد لها خارما بالمرة الواحدة وغيره، فالاكل من غير السوقي مرة في السوق ليس كالمشي فيه مكشوفا. (وحرفة دنيئة) مباحة (كحجامة وكنس) لزبل ونحوه. (ودبغ) ونحوها: كقيم حمام وحارس وقصاب وإسكاف ونخال، (ممن لا تليق) هذه الحرفة (به). وقوله: (تسقطها) أي المروءة لاشعار ذلك بقلة مروءته خبر قوله: وحرفة وما عطف عليه.
تنبيه: قوله: دنيئة بالهمز من الدناءة، وهي الساقطة، وبتركه من الدنو بمعنى القريب. (فإن اعتادها) مع محافظة مخامر النجاسة على الصلاة في أوقاتها في أثواب طاهرة، (وكانت حرفة أبيه، فلا) يسقطها (في الأصح) لأنه لا يتعير بذلك، وهي حرفة مباحة من فروض الكفايات لاحتياج الناس إليها، ولو ردت بها الشهادة لربما تركت فتعطل الناس.
والثاني: تسقطها، لأن في اختياره لها مع اتساع طرق الكسب إشعارا بقلة المروءة.
تنبيه: هذا التقييد الذي ذكره نقله الرافعي عن الغزالي واستحسنه. وقال في زيادة الروضة: لم يتعرض الجمهور لهذا القيد، وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه بل ينظر هل تليق به هو أم لا. ثم إنه هنا وافق المحرر ولم يعترض عليه، والمعتمد التقييد عدم. واعترض جعلهم الحرفة الدنيئة مما يخرم المروءة مع قولهم: إنها من فروض الكفايات. وأجيب بحمل ذلك على من اختارها لنفسه مع حصول الكفاية بغيره. أما الحرفة غير المباحة: كالمنجم والعراف والكاهن والمصور فلا تقبل شهادتهم عندهم، قال الصيمري: لأن شعارهم التلبيس على العامة. ومن أكثر من أهل الصنائع الكذب وخلف الوعد ردت شهادته. قال الزركشي: ومما عمت به البلوى التكسب بالشهادة مع أن شركة الأبدان باطلة، وذلك قادح في العدالة، لا سيما إذا منعنا أخذ الأجرة على التحمل أو كان يأخذ ولا يكتب فإن نفوس شركائه لا تطيب لذلك. قال بعض المتأخرين: وأسلم طريق فيه أن يشتري ورقا مشتركا ويكتب ويقسم على قدر ما لكل واحد من ثمن ورقه فإن الشركة لا يشترط فيها التساوي في العمل. ومثل ذلك المقرئين والوعاظ.