(شرط الشاهد) أي شروطه: (مسلم) ولو بالتبعية، فلا تقبل شهادة لكافر على مسلم ولا على كافر، خلافا لأبي حنيفة في قبوله شهادة الكافر على الكافر، ولاحمد في الوصية، لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * والكافر ليس بعدل وليس منا، ولأنه أفسق الفساق ويكذب على الله تعالى، فلا يؤمن الكذب منه على خلقه. (حر) ولو بالدار، فلا تقبل شهادة رقيق خلافا لأحمد ولو مبعضا أو مكاتبا، لأن أداء الشهادة فيه معنى الولاية وهو مسلوب منها. (مكلف) فلا تقبل شهادة مجنون بالاجماع ولا صبي، لقوله تعالى: * (من رجالكم) *.
تنبيه: كان الأولى أن يقول المصنف كما في المحرر والروضة وغيرها: الاسلام والحرية والتكليف. (عدل) فلا تقبل من فاسق، لقوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *. (ذو مروءة) بالهمز بوزن سهولة، وهي الاستقامة، لأن من لا مروءة له لا حياء له، ومن لا حياء له قال ما شاء، لقوله (ص): إذا لم تستح فاصنع ما شئت وسيأتي تفسيرها. (غير متهم) في شهادة، لقوله تعالى: * (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا) * والريبة حاصلة بالتهم، ولما روى الحاكم أن النبي (ص) قال: لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة والظنة التهمة والحنة العداوة.
تنبيه: بقي على المصنف شروط لم يذكرها: منها أن يكون ناطقا، فلا تقبل شهادة الأخرس وإن فهمت إشارته.
ومنها أن يكون يقظا كما قاله صاحب التنبيه والجرجاني وغيرهما، فلا تقبل شهادة مغفل. ومنها أن لا يكون محجورا عليه بسفه، فلا تقبل شهادته كما نقله في أصل الروضة قبيل فصل التوبة عن الصيمري، وجزم به الرافعي في كتاب الوصية.
(وشرط) تحقق (العدالة) وهي لغة: التوسط، وشرعا: (اجتناب الكبائر) أي كل منها، (و) اجتناب (الاصرار على صغيرة) من نوع أو أنواع. وفسر جماعة الكبيرة بأنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة. وقيل:
هي المعصية الموجبة للحد، وذكر في أصل الروضة أنهم إلى ترجيح هذا أميل، وأن الذي ذكرناه أولا هو الموافق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر اه. لأنهم عدوا الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور ونحوها من الكبائر، ولا حد فيها. وقال الإمام: هي كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين اه. والمراد بها بقرينة التعاريف المذكورة غير الكبائر الاعتقادية التي هي البدع، فإن الراجح قبول شهادة أهلها ما لم يكفرهم كما سيأتي بيانه. هذا ضبطها بالحد، وأما بالعد فأشياء كثيرة، قال ابن عباس: هي إلى السبعين أقرب، وقال سعيد بن جبير: إنها إلى السبعمائة أقرب، أي باعتبار أصناف أنواعها، وما عدا ذلك من المعاصي فمن الصغائر ولا بأس بذكر شئ من النوعين، فمن الأول تقديم الصلاة وتأخيرها عن أوقاتها بلا عذر، ومنع الزكاة وترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، ونسيان القرآن، واليأس من رحمة الله، وأمن مكر الله تعالى، والقتل عمدا أو شبه عمد، والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والافطار في رمضان من غير عذر، وعقوق الوالدين، والزنا، واللواط، وشهادة الزور، وشرب الخمر وإن قل، والسرقة والغصب، وقيده جماعة بما يبلغ ربع مثقال كما يقطع به في السرقة، وكتمان الشهادة بلا عذر، وضرب المسلم بغير حق، وقطع الرحم، والكذب على رسول الله (ص) عمدا، وسب الصحابة، وأخذ الرشوة والنميمة، وأما الغيبة فإن كانت في أهل العلم وحملة القرآن فهي كبيرة كما جرى عليه ابن المقري وإلا فصغيرة. ومن الصغائر النظر المحرم، وكذب لا حد فيه ولا ضرر، والاشراف على بيوت الناس، وهجر المسلم فوق ثلاث، وكثرة الخصومات إلا إن راعى حق الشرع فيها، والضحك في الصلاة، والنياحة وشق الجيب في المصيبة، والتبختر في المشي، والجلوس بين الفساق إيناسا لهم، وإدخال مجانين وصبيان ونجاسة يغلب تنجيسهم، واستعمال نجاسة في بدن أو ثوب لغير حاجة. فبارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة من نوع أو أنواع تنتفي العدالة، لا أن تغلب طاعاته معاصيه كما قاله الجمهور فلا تنتفي عدالته وإن اقتضت عبارة المصنف الانتفاء مطلقا.