عباده وجواز رؤيته يوم القيامة لاعتقادهم أنهم مصيبون في ذلك لما قام عندهم، وقد روى أبو داود بإسناد صحيح أنه (ص) قال: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فجعل الكل من أمته. ومن القسم الثاني منكرو حدوث العالم، والبعث والحشر للأجسام وعلم الله تعالى بالمعدوم وبالجزئيات لانكار بعض ما علم مجئ الرسول (ص) به ضرورة، فلا تقبل شهادتهم ولا شهادة من يدعو الناس إلى بدعته، ولا خطابي لمثله وهم أصحاب أبي الخطاب الأسدي الكوفي كان يقول بإلهية جعفر الصادق، ثم ادعى الإلهية لنفسه، وهم يعتقدون أن الكذب كفر، وأن من كان على مذهبهم لا يكذب فيصدقونه على ما يقول ويشهدون له بمجرد إخباره هذا إذا لم يذكروا في شهادتهم ما ينفي احتمال اعتمادهم على قول المشهود له، فإن بينوا ما ينفي الاحتمال كأن قالوا سمعناه يقر له بكذا أو رأيناه يقرضه كذا قبلت في الأصح.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره، وهو المرجح في زيادة الروضة، قال: بخلاف من قذف عائشة رضي الله تعالى عنها فإنه كافر، أي لأنه كذب على الله تعالى. وقال السبكي في الحلبيات: في تكفير من سب الشيخين وجهان لأصحابنا: فإن لم نكفره فهو فاسق لا تقبل شهادته، ومن سب بقية الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة ولا يغلط فيقال شهادته مقبولة اه. فجعل ما رجحه في الروضة غلطا. قال الأذرعي: وهو كما قال، ونقل عن جمع التصريح به وأن الماوردي قال: من سب الصحابة أو لعنهم أو كفرهم فهو فاسق مردود الشهادة. وقضية إطلاق الشيخين قبول شهادة أهل الأهواء غير الخطابية، وأنه لا فرق بين من يستحل المال والدم وغيرهما، ونقل في زيادة الروضة التصريح به عن نص الام، ونقلا في باب البغاة عن المعتبرين أنه لا تقبل شهادة أهل البغي ولا ينفذ قضاء قاضيهم إذا استحلوا دماءنا وأموالنا، وقدمنا الفرق هناك فليراجع.
فائدة: قال ابن عبد السلام: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الايجاب فهي واجبة كالاشتغال بعلم النحو، أو في قواعد التحريم فمحرمة كمذهب القدرية والمرجئة والمجسمة والرافضة. قال: والرد على هؤلاء من البدع الواجبة، أي لأن المبتدع من أحدث الشريعة ما لم يكن في عهده (ص). أو في قواعد المندوب فمندوبة كبناء الربط والمدارس وكل إحسان لم يحدث في العصر الأول كصلاة التراويح. أو في قواعد المكروه فمكروه كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف. أو في قواعد المباح فمباحة كالمصافحة عقب الصبح والعصر والتوسع في المآكل والملابس. وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: المحدثات ضربان: أحدهما ما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا فهو بدعة وضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير فهو غير مذموم. و (لا) تقبل شهادة (مغفل لا يضبط) أصلا أو غالبا لعدم التوثق بقوله. أما من لا يضبط نادرا والأغلب فيه الحفظ والضبط فتقبل قطعا لأن أحدا لا يسلم من ذلك، ومن تعادل غلطه وضبطه فالظاهر كما قال الأذرعي أنه كمن غلب غلطه.
تنبيه: محل الرد فيمن غلطه وضبطه سواء إذا لم تكن الشهادة مفسرة، فإن فسرها وبين وقت التحمل ومكانه قبلت كما جرى عليه الشيخان. قال الإمام: والاستفصال عند استشعار القاضي غفلة في الشهود حتم، وكذا إن رابه أمر، وإذا استفصلهم ولم يفصلوا بحث عن أحوالهم، فإن تبين له أنهم غير مغفلين قضى بشهادتهم المطلقة، قال: ومعظم شهادة العوام يشوبها غرة وسهو وجهل وإن كانوا عدولا فيتعين الاستفصال كما ذكرنا، وليس الاستفصال مقصودا في نفسه، وإنما الغرض تبين تثبتهم في الشهادة. (و) لا تقبل شهادة (مبادر) بشهادته قبل الدعوى جزما، وكذا بعدها وقبل أن يستشهد على الأصح للتهمة، ولخبر الصحيحين أن النبي (ص) قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم يشهدون ولا يستشهدون فإن ذلك في مقام الذم لهم، وأما خبر مسلم ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها فمحمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة.