فروع: المداومة على ترك السنن الراتبة ومستحبات الصلاة تقدح في الشهادة لتهاون مرتكبها بالدين وإشعاره بقلة مبالاته بالمهمات، ومحل هذا كما قال الأذرعي في الحاضر، أما من يديم السفر كالملاح والمكاري وبعض التجار فلا.
ويقدح في الشهادة مداومة منادمته مستحل النبيذ والسفهاء، وكذا كثرة شربه إياه معهم لاخلال ذلك بالمروءة، ولا يقدح فيها السؤال للحاجة وإن طاف مكثره بالأبواب إن لم يقدر على كسب مباح يكفيه لحل المسألة حينئذ، إلا أن أكثر الكذب في دعوى الحاجة أو أخذ ما لا يحل له أخذه فيقدح في شهادته. نعم إن كان المأخوذ في الثانية قليلا اعتبر التكرار كما مر نظيره. ولما قدم المصنف من شروط الشاهد كونه غير متهم بتهمة ترد شهادته بينها بقوله: (والتهمة) بمثناة فوقية مضمومة بخطه في الشخص، (أن يجر إليه) بشهادته (نفعا أو يدفع عنه) بها (ضررا) وبما تقرر اندفع ما قيل إن كلامه أشعر بعود ضمير إليه للشاهد، فيصير التقدير: أن يجر الشاهد إلى الشاهد، وفيه قلاقة، وأيضا فالنفع ينجر للمسمى لا للاسم، فلو قال أن يجر إلى نفسه أو يدفع عنها كان أولى اه. ثم أشار المصنف لصور من جر النفع بما تضمنه قوله: (فترد شهادته لعبده) سواء أكان مأذونا له كما في المحرر أو لا كما شمله إطلاقه، لأن ما يشهد به فهو له. (ومكاتبه) لأن له في ماله علقة، لأنه بصدد العود إليه بعجز أو تعجيز. نعم لو شهد بشراء شقص لمشتريه وفيه شفعة لمكاتبه قبلت، نبه عليه الزركشي. (وغريم له ميت) وإن لم تستغرق تركته الديون. (أو عليه حجر فلس) لأنه إذا أثبت للغريم شيئا أثبت لنفسه المطالبة به. وألحق الماوردي بذلك إذا كان زوجها معسرا بنفقتها شهدت له بدين، وتقبل لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل الحجر والموت تعلق الحق بذمته بخلافه بعد الحجر أو الموت، لأنه يحكم بماله لغرمائه حال الشهادة.
وخرج بحجر الفلس حجر السفه والمرض ونحوهما. نعم لو شهد غريم المرتد بمال لم تقبل شهادته، لأن حاله أشد من المفلس وقريب من الميت. (و) ترد شهادته أيضا (بما هو) ولي أو وصي أو (وكيل فيه) ولو بدون جعل، لأنه يثبت لنفسه سلطنة التصرف في المشهود به.
تنبيه: يلحق بمن ذكر شهادة الوديع للمودع والمرتهن للراهن لاقتضائها دوام يدهما. وقد يفهم كلامه القبول فيما إذا عزل نفسه وشهد، ولكن محله ما لم يخاصم، فإن خاصم ثم عزل نفسه لم يقبل. وأفهم كلامه لغيره القطع بقبول شهادة الوكيل لموكله بما ليس وكيلا فيه، ولكن حكى الماوردي فيه وجهين، وأصحهما الصحة. ولو عبر بقوله فيما هو وكيل فيه كما فعله في المحرر وأصل الروضة كان أولى ليتناول من وكل في شئ بخصومة أو تعاطى عقدا فيه أو حفظه أو نحو ذلك، فإنه لا تقبل شهادته لموكله في ذلك، لأنه يجر لنفسه نفعا باستيفاء ماله في ذلك من التصرف. وإن لم يشهد بنفس ما وكل فيه. (و) ترد شهادته (ببراءة من ضمنه) بأداء أو إبراء، لأنه يدفع بها الغرم عن نفسه.
تنبيه: في معنى ذلك من ضمنه عبده أو مكاتبه أو غريمه الميت أو المحجور عليه بفلس، ومن ضمنه أصله وفرعه. (و) ترد شهادة وارث عند الشهادة (بجراحة مورثه) قبل اندمالها كما صرح به في المتن في باب القسامة، لأنه لو مات كان الأرش له، وليس مورثه أصله وفرعه، فإن لم يكن وارثا له عند الشهادة لحجب مثلا قبلت، ولا يضر زوال الحجب وارثه بعد الحكم. (ولو شهد لمورث له) غير أصله وفرعه (مريض) مرض موت (أو جريح بمال قبل الاندمال قبلت) شهادته (في الأصح). والثاني: قال: لا كالجراحة للتهمة. وفرق الأول بأن الجراحة سبب للموت الناقل للحق إليه بخلاف المال وبعد الاندمال يقبل قطعا لانتفاء التهمة. نعم لو مات المورث قبل الحكم لم يحكم، قاله الماوردي. ولما فرغ من الشهادة الجالبة للنفع شرع في الدافعة للضرر، فقال: (وترد شهادة عاقلة بفسق شهود قتل) يحملونه من خطأ أو شبه عمد بخلاف شهود إقرار بذلك أو شهود عمد. فإن قيل: هذه المسألة تقدمت في باب دعوى الدم والقسامة فما فائدة ذكرها هنا؟ أجيب بأنه أطلق هناك ما يجب تقييده في موضعين: أحدهما رد جراحة المورث