تنبيه: تقبل شهادة من اختبأ وجلس في زاوية مختبأ لتحمل الشهادة لأن الحاجة قد تدعو إليه، ويسن أن يخبر الخصم أني شهدت عليك لئلا يبادر إلى تكذيبه فيعذره القاضي. ولو قال رجلان مثلا لثالث: توسط بيننا لنتحاسب ولا تشهد علينا بما جرى، فهذا شرط باطل وعليه أن يشهد. قال ابن القاص: وترك الدخول في ذلك أحب إليه ثم استثنى المصنف من عدم صحة شهادة المبادر ما ذكره بقوله: (وتقبل شهادة الحسبة) من الاحتساب وهو طلب الاجر، سواء أسبقها دعوى أم لا كانت في غيبة المشهود عليه أم لا، وهي كغيرها من الشهادات في شروطها السابقة، (في حقوق الله تعالى) المتمحضة كالصلاة والزكاة والصوم بأن يشهد بتركها. (وفيما له) أي في الذي لله (فيه حق مؤكد) وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي، (كطلاق) بائن أو رجعي. وأما الخلع فنقلا عن البغوي المنع لأنه ينفك عن المال، وعن الإمام أنها تسمع لثبوت الطلاق دون المال. قال في المهمات: والراجح ما قاله الإمام اه. وهذا هو الظاهر، وجرى عليه ابن المقرى في روضه، لأن المال حق آدمي دون الفراق. (وعتق) غير ضمني، ولا فرق في العتق بين أن يكون منجزا أو معلقا، عبدا أو أمة، وقال أبو حنيفة: تقبل في عتق الأمة دون العبد. أما الضمني كمن شهد لشخص بشراء قريبه فلا يصح في الأصح لأنها شهادة بالملك والعتق يترتب عليه.
تنبيه: المراد بالعتق أن يشهد بخصوصه، فلو شهد بما يفضي إليه فالمنقول في الاستيلاد القبول، وأما التدبير والتعليق بصفة والكتابة فلا يقبل فيها ففارقت الاستيلاد بأنه يفضي إلى العتق لا محالة بخلافها. وتصح شهادته بالعتق الحاصل بشراء القريب والتدبير وتعليق العتق والكتابة. (وعفو عن قصاص) في نفس أو طرف لما فيه من سلامة النفس، وهو حق الله تعالى أيضا. (وبقاء عدة وانقضائها) لما يترتب على الأول من صيانة الفرج واستباحته من غير طريق شرعي، ولما في الثاني من الصيانة بقصد التعفف بالنكاح، ويلتحق بذلك تحريم الرضاع والمصاهرة. (وحد له) تعالى كحد الزنا وقطع الطريق، وكذا حد السرقة على الصحيح بأن يشهد بموجب ذلك، والمستحب ستره إذا رأى المصلحة فيه. (وكذا النسب على الصحيح) لأن في وصله حقا لله تعالى، إذ الشرع أكد الأنساب ومنع قطعها فضاهى الطلاق والعتاق. والثاني: لا، لتعلق حق الآدمي فيه.
تنبيه: يلتحق بما ذكره المصنف الاحصان والتعديل والزكوات والكفارات والبلوغ والكفر والاسلام وتحريم المصاهرة والوصية والوقف إذا عمت جهتهما، ولو أخرت الجهة العامة فيدخل نحو ما أفتى به البغوي من أنه لو وقف دارا على أولاده ثم الفقراء فاستولى عليها ورثته وتملكوها فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده بوقفيتها قبلت شهادتهما لأن آخره وقف على الفقراء، لا إن خصت جهتهما فلا تقبل فيها لتعلقهما بحظوظ خاصة. واحترز بحقوق الله تعالى عن حقوق الآدمي كالقصاص وحد القذف والبيوع والأقارير ونحوها، لكن إذا لم يعلم صاحب الحق به أعلمه الشاهد به ليستشهده بعد الدعوى. وإنما تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها، فلو شهد اثنان أن فلانا أعتق عبده، أو أنه أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا إنه يسترقه، أو أنه يريد نكاحها. وكيفية شهادة الحسبة أن الشهود يجيئون إلى القاضي ويقولون نحن نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه، فإن ابتدأوا وقالوا: فلان زنا، فهم قذفة. وما تقبل فيه شهادة الحسبة هل تسمع فيه دعواها؟ وجهان، أوجههما كما جرى عليه ابن المقرى تبعا للأسنوي، ونسبه الإمام للعراقيين: لا تسمع، لأنه لا حق للمدعى في المشهود به، ومن له الحق لم يأذن في الطلب والاثبات، بل أمر فيه بالاعراض والدفع ما أمكن. والوجه الثاني ورجحه البلقيني: أنها تسمع ويجب حمله على غير حدود الله تعالى، وكذا فصل بعض المتأخرين فقال: إنها تسمع إلا في محض حدود الله تعالى.
(ومتى حكم) قاض (بشاهدين فبانا) عند أداء الشهادة أو عند الحكم بهما (كافرين، أو عبدين، أو صبيين)