تجد مداحا إلا رذلا، ولا هجاء إلا بذلا. (أو) إلا أن (يعرض) وفي المحرر وغيره يشبب (بامرأة معينة) غير زوجته وأمته، وهو ذكر صفاتها من طول وقصر وصدغ وغيرها فيحرم وترد به الشهادة لما فيه من الايذاء. واحترز بالمعينة عن التشبيب بمبهمة فلا ترد شهادته بذلك، كذا نص عليه، ذكره البيهقي في سننه، ثم استشهد بحديث كعب بن زهير وإنشاده قصيدته بين يدي النبي (ص)، ولان التشبيب صنعته وغرض الشاعر تحسين الكلام لا تخصيص المذكور. أما حليلته من زوجته أو أمته فلا يحرم التشبيب بها كما نص عليه في الام خلافا لما بحثه الرافعي ، وهو قضية إطلاق المصنف، ونقل في البحر عدم رد الشهادة عن الجمهور. ويشترط أن لا يكثر من ذلك وإلا ردت شهادته، قاله الجرجاني. ولو شبب بزوجته أو أمته مما حقه الاخفاء ردت شهادته لسقوط مروءته، وكذا لو وصف زوجته أو أمته بأعضائها الباطنة كما جرى عليه ابن المقري تبعا لاصله وإن نوزع في ذلك. وإذا شبب بغلام وذكر أنه يعشقه، قال الروياني: يفسق وإن لم يعينه، واعتبر في التهذيب وغيره التعيين كالمرأة، وهذا أولى، وليس ذكر امرأة مجهولة كليلي تعيينا. (والمروءة) للشخص، وأحسن ما قيل في تفسيرها أنها (تخلق) للمرء (بخلق أمثاله) من أبناء عصره ممن يراعي مناهج الشرع وآدابه (في زمانه ومكانه) لأن الأمور العرفية قلما تنضبط، بل تختلف باختلاف الاشخاص والأزمنة والبلدان، وهذا بخلاف العدالة، فإنها لا تختلف باختلاف الاشخاص، فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع بخلاف المروءة فإنها تختلف. وقيل: المروءة التحرز عما يسخر منه ويضحك به، وقيل: هي أن يصون نفسه عن الأدناس، ولا يشينها عند الناس، وقيل غير ذلك. واعترض البلقيني على عبارة المصنف بأنه قد يكون خلق أمثاله خلق الحياء كالقرندلية مع فقد المروءة فيهم، وقد أشرت إلى رد هذا بقولي:
يراعي مناهج الشرع وآدابه. (فالاكل) والشرب (في سوق) لغير سوقي كما في الروضة تبعا للقاضي حسين وغيره ولغير من لم يغلبه جوع أو عطش. واستثنى البلقيني من الاكل في السوق من أكل داخل حانوت مستترا، وفيه كما قال ابن شهبة نظر. (والمشي) في السوق (مكشوف الرأس) أو البدن غير العورة ممن لا به يليق مثله ولغير محرم بنسك. أما العورة فكشفها حرام. (وقبلة زوجة أو أمة) له (بحضرة الناس) أو وضع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه.
والمراد جنسهم ولو واحدا، فلو عبر بحضرة أجنبي كان أولى. قال البلقيني: والمراد به بالناس الذين يستحي منهم في ذلك، والتقبيل الذي يستحي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة، أما تقبيل الرأس ونحوه فلا يخل بالمروءة. وقرن في الروضة بالتقبيل أن يحكي ما يجرى بينهما في الخلوة مما يستحيا منه، وكذا صرح في النكاح بكراهته، لكن في شرح مسلم أنه حرام. وأما تقبيل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أمته التي وقعت في سهمه بحضرة الناس فقال الزركشي: كأنه تقبيل استحسان لا تمتع، أو فعله بيانا للجواز، أو ظن أنه ليس ثم من ينظره، أو على أن المرة الواحدة لا تضر على ما اقتضاه نص الشافعي. ومد الرجل عند الناس بلا ضرورة كقبلة أمته بحضرتهم، قال الأذرعي: ويشبه أن يكون محله إذا كان بحضرة من يحتشمه، فلو كان بحضرة إخوانه أو نحوهم كتلامذته لم يكن ذلك تركا للمروءة. (وإكثار حكايات مضحكة) بينهم بحيث يصير ذلك عادة له. وخرج بالاكثار ما لم يكثر أو كان ذلك طبعا لا تصنعا كما وقع لبعض الصحابة، وفي الصحيح: من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها في النار سبعين خريفا.
تنبيه: تقييده الحكايات المضحكة بالاكثار يقتضي أن ما عداها لا يتقيد بالاكثار، بل يسقط العدالة بالمرة الواحدة. قال ابن النقيب: وفيه نظر. قال البلقيني: الذي يعتمد في ذلك لا بد من تكرره تكرارا دالا على قلة المبالاة، وقد قال الشافعي: إذا كان الأغلب على الرجل - أي الأظهر من أمره - الطاعة والمروءة قبلت شهادته. وحكى البيهقي في المعرفة عن ابن سريج أن العدل من لا يكون تاركا للمروءة في غالب العادة. قال البيهقي: وهذا تلخيص ما قاله