النساء به، لكن تقبل شهادتهن بأن هذا اللبن من هذه المرأة، لأن الرجال لا يطلعون عليه غالبا. واحترز بقوله: تحت الثياب عما نقله في الروضة عن البغوي وأقره أن العيب في وجه الحرة وكفيها لا يثبت إلا برجلين، وفي وجه الأمة وما يبدو عند المهنة يثبت برجل وامرأتين، لأن المقصود منه المال. فإن قيل: هذا وما قبله إنما يأتيان على القول بحل النظر إلى ذلك، أما ما صححه الشيخان في الأولى والمصنف في الثانية من تحريم ذلك فتقبل النساء فيه مفردات. أجيب بأن الوجه والكفين يطلع عليهما الرجال غالبا وإن قلنا بحرمة نظر الأجنبي، لأن ذلك جائز لمحارمها وزوجها، ويجوز نظر الأجنبي لوجهها لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة. وقد قال الولي العراقي: أطلق الماوردي نقل الاجماع على أن عيوب النساء في الوجه والكفين لا يقبل فيها إلا الرجال، ولم يفصل بين الأمة والحرة، وبه صرح القاضي حسين فيهما اه. أي فلا تقبل النساء الخلص في الأمة لما مر أنه يقبل فيها رجل وامرأتان لما مر. وقول المصنف: وما يختص بمعرفته النساء غالبا الخ يفهم أن الاقرار بما يختص بمعرفتهن لا يكفي فيه شهادة النسوة، وهو كذلك، لأن الرجال تسمعه غالبا كسائر الأقارير.
وقوله فيما سبق: وبأربع نسوة يقتضي أنه لا يثبت بشاهد ويمين، وهو كذلك كما صرح به الماوردي في الرضاع، قال الرافعي: وهو الموافق لاطلاق عامة الأصحاب. ولو اقتصر المصنف على أربع لعلم اختصاص ذلك بالنسوة، لأن التاء لا تثبت مع المعدود المؤنث. وأما الخنثى فيحتاط في أمره على المرجح فلا يراه بعد بلوغه رجال ولا نساء، وفي وجه يستصحب حكم الصغر عليه. ويشترط في الشاهد بالعيوب المعرفة بالطب كما حكاه الرافعي في التهذيب. ثم أشار المصنف لضابط يعرف به ما يثبت بشاهد ويمين وما لا يثبت بهما، فقال: (و) كل (ما لا يثبت) من الحقوق (برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين) لأن الرجل والمرأتين أقوى، وإذا لم يثبت بالأقوى لا يثبت بما دونه. فإن قيل: يرد على المصنف اللوث في قتل عمد، فإنه يكفي فيه شاهد ويمين متعددة ولا يثبت برجل وامرأتين. أجيب بأنه أراد اليمين المتحدة لا المتعددة. (و) كل (ما ثبت بهم) أي برجل وامرأتين، وأتى بالضمير مذكرا تغليبا له على المؤنث، (ثبت برجل ويمين) لما رواه مسلم وغيره: أنه (ص) قضى بالشاهد واليمين، وروى البيهقي في خلافياته حديث:
أن النبي (ص) قضى بشاهد ويمين عن نيف وعشرين صحابيا، قال الزركشي وبه يندفع قول الحنفية أنه خبر واحد فلا ينسخ القرآن اه. والقضاء بالشاهد واليمين قال به جمهور العلماء سلفا وخلفا منهم الخلفاء الأربعة، وكتب به عمر بن عبد العزيز إلى عماله في جميع الأمصار، وهو مذهب الإمام مالك وأحمد، وخالف في ذلك أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. (إلا عيوب النساء ونحوها) بنصب نحو بخطه عطفا على عيوب كرضاع، فإنها لا تثبت بشاهد ويمين، لأنها أمور خطرة بخلاف المال.
تنبيه: ينبغي كما قال الدميري تقييد إطلاقه بالحرة، أما الأمة فيثبت فيها بذلك قطعا لأنها مال، وبذلك جزم الماوردي وأورد على حصره الاستثناء فيما ذكره الترجمة في الدعوى بالمال أو الشهادة به فإنها تثبت برجل وامرأتين ولا مدخل للشاهد واليمين فيها لأن ذلك ليس بمال، وإنما هو إخبار عن معنى لفظ المدعي أو الشاهد. (ولا يثبت شئ) من الحقوق (بامرأتين ويمين) في المال جزما وفيما يقبل فيه النسوة منفردات في الأصح لعدم ورود وقيامهما مقام رجل في غير ذلك لوروده. ثم شرع في شرط مسألة الاكتفاء بشاهد ويمين بقوله: (وإنما يحلف المدعي) فيها (بعد شهادة شاهد، و) بعد (تعديله) لأنه إنما يتقوى جانبه حينئذ، واليمين أبدا في جانب القوي. وفارق عدم اشتراط تقدم شهادة الرجل على شهادة المرأتين بقيامهما مقام الرجل قطعا، ولا ترتيب بين الرجلين.
تنبيه: هل القضاء بالشاهد واليمين معا أو بالشاهد فقط واليمين مؤكدة أو بالعكس؟ أقوال أصحها أولها، وتظهر فائدة الخلاف فيما لو رجع الشاهد، فعلى الأول يغرم النصف، وعلى الثاني الكل، وعلى الثالث لا شئ عليه.