وإن أمكنه لم يحرم الوفاء، لأن الهجرة حينئذ مستحبة.
تنبيه: لو حلفوه ولو بالطلاق مكرها على ذلك لم يحنث بتركه لعدم انعقاد يمينه، فإن قالوا لا نطلقك حتى تحلف أنك لا تخرج فحلف، فأطلقوه فخرج لم يحنث أيضا كما لو أخذ اللصوص رجلا وقالوا: لا نتركك حتى تحلف أنك لا تخبر بمكاننا فحلف ثم أخبر بمكانهم لم يحنث، لأنه يمين إكراه وإن حلف لهم ترغيبا، ولو قبل الاطلاق حنث بخروجه، وله عند خروجه أخذ مال مسلم وجده عندهم ليرده عليه ولو أمنهم عليه، ولا يضمنه كما رجحه ابن المقري لأنه لم يكن مضمونا على الحربي الذي كان بيده، بخلاف المغصوب إذا أخذه شخص من الغاصب ليرده إلى مالكه فإنه يضمنه، لأنه كان مضمونا على الغاصب فأديم حكمه.
فروع: لو التزم لهم قبل خروجه ما لا فداء وهو مختار، أو أن يعود إليهم بعد خروجه إلى دار الاسلام حرم عليه العود إليه، وسن له الوفاء بالمال الذي التزمه ليعتمدوا الشرط في إطلاق الاسراء، وإنما لم يجب لأنه التزام بغير حق والمال المبعوث إليهم فداء لا يملكونه كما قاله الروياني وغيره، لأنه مأخوذ بغير حق ولو اشترى منهم شيئا ليبعث إليهم ثمنه أو اقترض، فإن كان مختارا لزمه الوفاء، أو مكرها فالمذهب أن العقد باطل، ويجب رد العين، فإن لم يجر لفظ بيع بل قالوا خذ هذا وابعث إلينا كذا من المال فقال نعم فهو كالشراء مكرها، ولو وكلوه ببيع شئ لهم بدارنا باعه ورد ثمنه إليهم. (ولو عاقد الإمام) أو نائبه (علجا) هو الكافر الغليظ الشديد سمي به لدفعه عن نفسه بقوته ومنه سمي العلاج علاجا لدفعه الداء. وفي الحديث: الدعاء والبلاء يتعالجان إلى يوم القيامة أي يتصارعان، رواه البزار والحاكم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (يدل على قلعة) تفتح عنوة، وهي بفتح القاف وإسكان اللام، وحكي فتحها: الحصن، إما لأنه قد خفي علينا طريقها، أو ليدلنا على طريق خال من الكفار، أو سهل، أو كثير الماء، أو الكلأ أو نحو ذلك (وله منها جارية جاز) ذلك سواء أكان ابتداء الشرط من العلج أم من الإمام وهي جعالة بجعل مجهول غير مملوك احتملت للحاجة وسواء كانت الجارية معينة أو مبهمة، حرة أم أمة، لأن الحرة ترق بالأسر والمبهمة يعينها الإمام ويجبر العلج على القول وسواء حصل بالدلالة كلفة أم لا حتى لو كان الإمام نازلا تحت قلعة لا يعرفها، فقال: من دلني على قلعة كذا فله منها جارية، فقال العلج: هي هذه. استحق الجارية كما في الروضة وأصلها، فإن قيل:
مقتضى ما ذكروه في باب الجعالة عدم الاستحقاق فإنهم شرطوا التعب ولا تعب هنا. أجيب بأنهم لم يعتبروا التعب هنا، ولهذا لو قال العلج: القلعة بمكان كذا ولم يمش ولم يتعب استحق الجارية فكذلك أيضا هنا، وقد استثنوا من عدم صحة الاستئجار على كلمة لا تتعب مسألة العلج للحاجة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين القلعة المعينة والمبهمة، وهو ما في تعليق الشيخ أبي حامد، ولعله كما قال شيخنا محمول على ما إذا أبهم في قلاع محصورة، وإلا فلا يصح، بل الجمهور إنما صوروه بالمعينة، لأن غير المعينة يكثر فيها الغرر، لكن مع الحمل المذكور يخف فينبغي اعتماده. وخرج بالعلج ما لو عاقد مسلما بما ذكر فإن الأصح عند الإمام عدم الصحة وتبعه في الحاوي الصغير لأن فيه أنواع غرر فلا يحتمل معه واحتملت مع الكافر لأنه أعرف بأحواله قلعهم وطرقهم غالبا، ولان المسلم يتعين عليه فرض الجهاد والدلالة نوع منه فلا يجوز أخذ العوض عليه لكن الذي أورده العراقيون الجواز، وقال في البحر إنه المشهور. وقال الأذرعي إنه الأصح المختار كشرط النفل في البراءة والرجعة وهو قضية كلام الرافعي في باب الغنيمة وصححه البلقيني وغيره وهو الظاهر لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك واحترز بقوله: وله منها جارية عما إذا قال الإمام وله جارية مما عندي مثلا فإنه لا يصح للجهل بالجعل كسائر الجعالات وتعبيره بالجارية مثال ولو قال جعل كما في التنبيه لكان أشمل. (فإن فتحت) أي القلعة عنوة بمن عاقده (بدلالته) - بكسر الدال وفتحها - وفيها الجارية المعينة أو المبهمة حية ولم تسلم قبل إسلامه (أعطيها) وإن لم يوجد سواها على الأصح لأنه استحقها بالشرط قبل الظفر.