جهة الاستواء، والمراد به هنا الانتقال من مضيق إلى متسع يمكن فيه القتال، أو يتحول عن مقابلة الشمس أو الريح الذي يسف التراب على وجهه إلى موضع واسع. قال الماوردي: وكذا لو كان في موضع معطش، فانتقل إلى موضع فيه ماء (أو متحيزا إلى فئة) أي طائفة قريبة تليه من المسلمين (يستنجد بها) للقتال ينضم إليها ويرجع معها محاربا فيجوز انصرافه، لقوله تعالى * (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) * والتحيز أصله الحصول في حيز وهو الناحية، والمكان الذي يحوزه، والمراد به هنا الذهاب بنية الانضمام إلى طائفة من المسلمين ليرجع معهم محاربا، ولا يلزمه العود ليقاتل مع الفئة المتحيز إليها على الأصح لأن عزمه العود لذلك رخص له الانصراف فلا حجر عليه بعد ذلك. والجهاد لا يجب قضاؤه لأنه لا يجب بالنذر الصريح كما لا تجب به الصلاة على الميت، ففي العزم أولى (ويجوز) التحيز (إلى فئة بعيدة في الأصح) المنصوص، لاطلاق الآية، ولقول عمر رضي الله عنه أنا فئة لكل مسلم وكان في المدينة وجنوده بالشام والعراق، ولان عزمه على العود إلى القتال لا يختلف بالقرب والبعد. والثاني يشترط قربها ليتصور الاستنجاد بهم في هذا القتال.
تنبيه: من عجز بمرض أو نحوه كغلبة عقل بلا إثم أو لم يبق معه سلاح جاز له الانصراف بكل حال، وكذا إذا حضر بغير إذن سيده بل يسن له ذلك، ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم ينصرف عن الصف كما في زائد الروضة هنا، وإن كان في أصل الروضة في الباب الأول صحح الانصراف، وإن ذهب فرسه وهو لا يقدر على القتال راجلا جاز له الانصراف، ويندب لمن فر لعجز أو غيره مما ذكر قصد التحيز أو التحرف ليخرج عن صورة الفرار المحرم، وإذا عصى بالفرار هل يشترط في توبته أن يعود إلى القتال أو يكفيه أنه متى عاد لا ينهزم إلا كما أمر الله تعالى؟ فيه وجهان في الحاوي، والظاهر الثاني. (ولا يشارك متحيز إلى) فئة (بعيدة الجيش فيما غنم بعد مفارقته) لأن النصرة تفوت ببعده. أما ما غنموه قبل مفارقته فيشارك فيه كما نص عليه (ويشارك متحيز إلى) فئة (قريبة) الجيش فيما غنم بعد مفارقته (في الأصح) لبقاء نصرته فهو كالسراية القريبة تشارك الجيش فيما غنمه. والثاني لا يشاركه لمفارقته، ويشارك فيما غنم قبل مفارقته قطعا.
تنبيه: سكت المصنف عن بيان القريبة، والمراد بها أن تكون بحيث يدرك غوثها المتحيز عنها عند الاستغاثة والمتحرف يشارك الجيش فيما غنم قبل مفارقته، ولا يشاركه فيما غنم بعدها نص عليه، أي إذا بعد، ومن أطلق أنه يشاركه محمول على من يبعد كما فصل في الفئة.
فرع: لو ادعى الهارب التحرف صدق بيمينه إن عاد قبل انقضاء القتال، ويستحق من الجميع إن حلف وإلا ففي المحوز بعد عوده فقط، قاله البغوي ورجحه في الروضة في باب قسم الغنيمة، والجاسوس إذا بعثه الإمام لينظر عدد المشركين، وينقل أخبارهم إلينا يشارك الجيش فيما غنم في غيبته لأنه كان في مصلحتنا وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف. (فإن زاد) عدد الكفار (على مثلين) منا (جاز الانصراف) عن الصف، لقوله تعالى * (الآن خفف الله عنكم) * الآية (إلا أنه يحرم انصراف مائة بطل) من المسلمين (عن مائتين وواحد ضعفاء) من الكفار (في الأصح) اعتبارا بالمعنى لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف، والثاني لا تحرم اعتبارا بالعدد.
تنبيه: الخلاف لا يختص بهذه الصورة، والضابط أن يكون من المسلمين مع القوة ما يغلب الظن أنهم يقاومون الزيادة على مثليهم ويرجون الظفر بهم كما قاله البلقيني، ومأخذ الخلاف أنه هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو لا، والأصح الجواز كما خصص عموم * (أو لامستم النساء) * بغير المحارم، والمعنى الذي شرع القتال لأجله