مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٢٥
جهة الاستواء، والمراد به هنا الانتقال من مضيق إلى متسع يمكن فيه القتال، أو يتحول عن مقابلة الشمس أو الريح الذي يسف التراب على وجهه إلى موضع واسع. قال الماوردي: وكذا لو كان في موضع معطش، فانتقل إلى موضع فيه ماء (أو متحيزا إلى فئة) أي طائفة قريبة تليه من المسلمين (يستنجد بها) للقتال ينضم إليها ويرجع معها محاربا فيجوز انصرافه، لقوله تعالى * (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) * والتحيز أصله الحصول في حيز وهو الناحية، والمكان الذي يحوزه، والمراد به هنا الذهاب بنية الانضمام إلى طائفة من المسلمين ليرجع معهم محاربا، ولا يلزمه العود ليقاتل مع الفئة المتحيز إليها على الأصح لأن عزمه العود لذلك رخص له الانصراف فلا حجر عليه بعد ذلك. والجهاد لا يجب قضاؤه لأنه لا يجب بالنذر الصريح كما لا تجب به الصلاة على الميت، ففي العزم أولى (ويجوز) التحيز (إلى فئة بعيدة في الأصح) المنصوص، لاطلاق الآية، ولقول عمر رضي الله عنه أنا فئة لكل مسلم وكان في المدينة وجنوده بالشام والعراق، ولان عزمه على العود إلى القتال لا يختلف بالقرب والبعد. والثاني يشترط قربها ليتصور الاستنجاد بهم في هذا القتال.
تنبيه: من عجز بمرض أو نحوه كغلبة عقل بلا إثم أو لم يبق معه سلاح جاز له الانصراف بكل حال، وكذا إذا حضر بغير إذن سيده بل يسن له ذلك، ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم ينصرف عن الصف كما في زائد الروضة هنا، وإن كان في أصل الروضة في الباب الأول صحح الانصراف، وإن ذهب فرسه وهو لا يقدر على القتال راجلا جاز له الانصراف، ويندب لمن فر لعجز أو غيره مما ذكر قصد التحيز أو التحرف ليخرج عن صورة الفرار المحرم، وإذا عصى بالفرار هل يشترط في توبته أن يعود إلى القتال أو يكفيه أنه متى عاد لا ينهزم إلا كما أمر الله تعالى؟ فيه وجهان في الحاوي، والظاهر الثاني. (ولا يشارك متحيز إلى) فئة (بعيدة الجيش فيما غنم بعد مفارقته) لأن النصرة تفوت ببعده. أما ما غنموه قبل مفارقته فيشارك فيه كما نص عليه (ويشارك متحيز إلى) فئة (قريبة) الجيش فيما غنم بعد مفارقته (في الأصح) لبقاء نصرته فهو كالسراية القريبة تشارك الجيش فيما غنمه. والثاني لا يشاركه لمفارقته، ويشارك فيما غنم قبل مفارقته قطعا.
تنبيه: سكت المصنف عن بيان القريبة، والمراد بها أن تكون بحيث يدرك غوثها المتحيز عنها عند الاستغاثة والمتحرف يشارك الجيش فيما غنم قبل مفارقته، ولا يشاركه فيما غنم بعدها نص عليه، أي إذا بعد، ومن أطلق أنه يشاركه محمول على من يبعد كما فصل في الفئة.
فرع: لو ادعى الهارب التحرف صدق بيمينه إن عاد قبل انقضاء القتال، ويستحق من الجميع إن حلف وإلا ففي المحوز بعد عوده فقط، قاله البغوي ورجحه في الروضة في باب قسم الغنيمة، والجاسوس إذا بعثه الإمام لينظر عدد المشركين، وينقل أخبارهم إلينا يشارك الجيش فيما غنم في غيبته لأنه كان في مصلحتنا وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف. (فإن زاد) عدد الكفار (على مثلين) منا (جاز الانصراف) عن الصف، لقوله تعالى * (الآن خفف الله عنكم) * الآية (إلا أنه يحرم انصراف مائة بطل) من المسلمين (عن مائتين وواحد ضعفاء) من الكفار (في الأصح) اعتبارا بالمعنى لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف، والثاني لا تحرم اعتبارا بالعدد.
تنبيه: الخلاف لا يختص بهذه الصورة، والضابط أن يكون من المسلمين مع القوة ما يغلب الظن أنهم يقاومون الزيادة على مثليهم ويرجون الظفر بهم كما قاله البلقيني، ومأخذ الخلاف أنه هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو لا، والأصح الجواز كما خصص عموم * (أو لامستم النساء) * بغير المحارم، والمعنى الذي شرع القتال لأجله
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548