الكف عن القتال كما صرح به الماوردي. (وتكفي) ولو من ناطق (إشارة مفهمة للقبول) لكن يعتبر في كونها كناية من الأخرس أن يختص بفهمها فظنون، فإن فهمها كل أحد فصريحة كما علم من الطلاق.
تنبيهان: أحدهما: قد يوهم كلامه أن الإشارة لا تكفي في إيجاب الأمان والمذهب الاكتفاء كما مر، وهذا بخلاف الإشارة في الطلاق والرجعة وسائر العقود، حيث يعتبر العجز عن النطق، لأن المقصود هنا حقن الدماء فكانت الإشارة شبهة، واحترز بالمفهمة عن غير المفهمة، فلا يصح بها أمان. الثاني أن محل الخلاف في اعتبار القبول إن لم يسبق منه استيجاب، فإن سبق منه لم يحتج للقبول جزما. (ويجب أن لا تزيد مدته على أربعة أشهر) في الأظهر لما سيأتي في الهدنة، فإن زاد عليها بطل في الزائد، ولا يبطل في الباقي على الأصح تخريجا على تفريق الصفقة، فلو أطلق الأمان حمل على أربعة أشهر، ويبلغ بعدها المأمن. فإن قيل: قد رجحا في الهدنة أنها لا تصح عند الاطلاق، وقد قالا: حكم الأمان حكم الهدنة حيث لا ضعف، أجيب بأن هذا مستثنى لأن بابه أوسع بدليل صحته من الآحاد بخلافها (وفي قول يجوز) أكثر منها (ما لم تبلغ) مدته (سنة) كالهدنة، أما السنة فممتنعة قطعا.
تنبيهان: أحدهما: محل الخلاف في أمان الرجال، أما النساء فلا يحتاج فيهن إلى تقييده مدة، وقد نص في الام على أن المرأة المستأمنة إذا كانت ببلاد الاسلام لم تمنع ولا تتقيد بمدة لأن الأربعة أشهر إنما هي للمشركين الرجال، ومنعوا من السنة لئلا تترك الجزية، والمرأة ليست من أهلها، والخنثى كالمرأة كما بحثه بعض المتأخرين. الثاني سكت المصنف عن بيان المكان الذي يكون المؤمن فيه إشعارا بأنه لا حاجة لتقييده وهو كذلك. (ولا يجوز) ولا يصح (أمان يضر المسلمين كجاسوس) وطليعة لخبر: لا ضرر ولا ضرار وينبغي كما قال الإمام أن لا يستحق تبليغ المأمن فيغتال لأن دخول مثله خيانة.
تنبيه: كلام المصنف يقتضي أن شرط الأمان انتفاء الضرر دون ظهور المصلحة وهو كذلك كما صرح به في أصل الروضة تبعا للإمام، وإن رجح البلقيني تبعا للقاضي حسين أنه إنما يجوز بالمصلحة. ثم قال: لا يخفى أن ذلك في أمان الآحاد، أما أمان الإمام، فلا يجوز إلا بالنظر للمسلمين نص عليه اه. وهذا ظاهر، ولا لغيره ولو أمن أحادا على مدارج الغزاة وعسر بسببه سير العسكر واحتاجوا إلى نقل الزاد رد للضرورة، وفي معنى الجاسوس من يحمل سلاحا إلى دار الحرب ونحوه مما يعينهم. (وليس للإمام) ولا لغيره (نبذ الأمان إن لم يخف خيانة) لأن الأمان لازم من جهة المسلمين فإن خافها نبذه كالهدن وأولى، جائز من جهة الكافر لينبذه متى شاء (ولا يدخل في الأمان) لحربي بدارنا (ماله وأهله من زوجته وولده الصغير أو المجنون بدار الحرب) جزما، لأن فائدة الأمان تحريم قتله واسترقاقه ومفاداته، لا أهله وماله، فيجوز اغتنام أمواله وسبي ذراريه المخلفين هناك (وكذا ما معه منهما) في دار الاسلام، وإن لم يكن في حيازته (في الأصح إلا بشرط) لقصور اللفظ عن العموم، والثاني لا يحتاج إلى شرط.
تنبيه: المراد بما معه من ماله غير المحتاج إليه مدة أمانه، أما المحتاج إليه فيدخل ولو بلا شرط، ومن ذلك ما يستعمله في حرفته من الآلات ومركوبه إن لم يستغن عنه، هذا إذا أمنه غير الإمام. فإن أمنه الإمام دخل ما معه بلا شرط، ولا يدخل ما خلفه بدار الحرب إلا بشرط من الإمام، أما إذا كان الأمان للحربي بدراهم، فقياس ما ذكر أن يقال إن كان أهله وماله بدراهم دخلا ولو بلا شرط إن أمنه الإمام، وإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا ما لا يحتاجه من ماله إلا بشرط، بخلاف ما يحتاجه فيدخل من غير شرط، وإن كان بدارنا دخلا إن شرطه الإمام لا غيره، وكلام المصنف يقتضي أن الذي معه لغيره لا يدخل قطعا وليس مرادا، فقد نص في الام على التسوية بين ما معه من ماله ومال غيره.