فائدة: لهذه المسألة أحوال وهي: إما أن يكون المؤمن الإمام أو غيره والمؤمن إما أن يكون بدار الحرب أو بدارنا جملة ذلك أربعة أحوال، ثم ماله إما أن يكون بالدار التي هو فيها أو لا، اضرب اثنين في أربعة بثمانية ثم الذي معه إما أن يكون محتاجا إليه أو لا، اضرب اثنين في ثمانية بستة عشر، ثم كل من الإمام وغيره: إما أن يقع منه بشرط أو لا، فهذه أربعة تضرب في ستة عشر بأربعة وستين، ثم الذي معه: إما أن يكون له أو لغيره ، اضرب اثنين في أربعة وستين بمائة وثمانية وعشرين وكل ذلك يعلم مما ذكرته فاستفده، فإني استخرجته من فكري الفاتر. ثم أخذ في بيان حكم هجرة المسلم، فقال: (والمسلم) المقيم (بدار الحرب إن أمكنه إظهار دينه) لكونه مطاعا في قومه أو لأن له عشيرة يحمونه ولم يخف فتنة في دينه (استحب له الهجرة) إلى دار الاسلام، لئلا يكثر سوادهم أو يكيدوه أو يميل إليهم، وإنما لم يجب لقدرته على إظهار دينه.
تنبيه: محل استحبابها ما لم يرج ظهور الاسلام هنا ك بمقامه، فإن رجاه فالأفضل أن يقيم، ولو قدر على الامتناع بدار الحرب الاعتزال وجب عليه المقام بها، لأن موضعه دار إسلام، فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك، نعم إن رجى نصرة المسلمين بهجرته فالأفضل أن يهاجر، قاله الماوردي. ثم في إقامته يقاتلهم على الاسلام ويدعوهم إليه إن قدر وإلا فلا. (وإلا) أي وإن لم يمكنه إظهار دينه أو خاف فتنة فيه (وجبت) عليه الهجرة رجلا كان أو امرأة وإن لم تجد محرما (إن أطاقها) لقوله تعالى * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * الآية، ولخبر أبي داود وغيره: أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وسميت هجرة لأنهم هجروا ديارهم ولم يقيدوا ذلك بأمن الطريق ولا بوجود الزاد والراحلة، وينبغي أنه إن خاف تلف نفسه من خوف الطريق أو من ترك الزاد، أو من عدم الراحلة عدم الوجوب. ويستثنى من الوجوب من في إقامته مصلحة للمسلمين، فقد حكى ابن عبد البر وغيره أن إسلام العباس رضي الله تعالى عنه كان قبل بدر، وكان يكتمه ويكتب إلى النبي (ص) بأخبار المشركين، وكان المسلمون يثقون به، وكان يحب القدوم على النبي (ص). فكتب إليه النبي (ص) إن مقامك بمكة خير ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة. ويلتحق بوجوب الهجرة من دار الكفر من أظهر حقا ببلدة من بلاد الاسلام ولم يقبل ولم يقدر على إظهاره فتلزمه الهجرة من تلك، نقله الأذرعي وغيره عن صاحب المعتمد فيها، وذكر البغوي مثله في سورة العنكبوت فقال: يجب على كل من كان ببلد تعمل فيها المعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة، ويدل لذلك قوله تعالى * (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) * فإن استوت جميع البلاد في عدم إظهار ذلك كما في زماننا فلا وجوب بلا خلاف، فإن لم يطق الهجرة فلا وجوب حتى يطيقها، فإن فتح البلد قبل أن يهاجر سقطت عنه الهجرة. (ولو قدر أسير) في أيدي الكفار (على هرب لزمه) لخلوصه به من قهر الأسر سواء أمكنه إظهار دينه أم لا كما نقله الزركشي عن تصحيح الإمام وإن جزم القمولي وغيره بتقييده بعدم الامكان (ولو أطلقوه) من الأسر (بلا شرط فله اغتيالهم) قتلا وسبيا وأخذ مال لأنهم لم يستأمنوه، وقتل الغيلة أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله (أو) أطلقوه (على أنهم في أمانه) وإن لم يؤمنوه كما نص عليه في الام (حرم) عليه اغتيالهم وفاء بما التزمه، وكذا لو أطلقوه على أنه في أمانهم، لأنهم إذا أمنوه وجب أن يكونوا في أمان منه، فلو قالوا: أمناك ولا أمان لنا عليك، جاز له اغتيالهم كما في نص الام (فإن تبعه قوم) منهم بعد خروجه (فليدفعهم) وجوبا (ولو بقتلهم) كالصائل فيراعى الترتيب في الصائل، وظاهر كلام الشيخين أنه لا ينقض العهد بذلك (أو) أطلقوه و (شرطوا) عليه (أن لا يخرج من دارهم) نظرت، فإن لم يمكنه إظهار دينه (لم يجز الوفاء) بالشرط بل يجب عليه الخروج إن أمكنه، لأن في ذلك ترك إقامة الدين، والتزام ما لا يجوز لا يلزم