فهو أفضل، ويحصل فرض الكفاية بأن يشحن الإمام الثغور بمكافئين للكفار مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الامراء أو بأن يدخل الإمام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم، ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد، إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة، وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد، وما ذكره المصنف محله في الغزو، وأما حراسة حصون المسلمين فمتعينة فورا. واعلم أن فروض الكفاية كثيرة جدا، ذكر منها المصنف في الجنائز غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وفي اللقيط التقاط المنبوذ، وذكر هنا الجهاد، ثم استطرد إلى ذكر غيره، فقال: (ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج) العلمية، وهي البراهين القاطعة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وصدق الرسل، وما ورد به الشرع من الحساب والمعاد والميزان وغير ذلك، وكما أنه لا بد من إقامة الحجج القهرية بالسيف لا بد ممن يقيم البراهين ويظهر الحجج ويدفع الشبهات ويحل المشكلات كما نبه عليه بقوله: القيام بإقامة (وحل المشكلات في الدين) ودفع الشبهة ويتعين على المكلف دفع شبهة أدخلها بقلبه، وذلك بأن يعرف أدلة المعقول ويعلم دواء أمراض القلب وحدودها وأسبابها كالحسد والرياء والكبر وأن يعرف من ظواهر العلوم لا دقائقها ما يحتاج إليه لإقامة فرائض الدين كأركان الصلاة والصيام وشروطهما. وإنما يجب تعلمه بعد الوجوب وكذا قبله إن لم يتمكن من تعلمه بعد دخول الوقت مع الفعل وكأركان الحج وشروطه وتعلمها على التراخي كالحج وكالزكاة إن ملك مالا، ولو كان هناك ساع يكفيه الامر وأحكام البيع والقراض إن أراد أن يبيع ويتجر فيتعين على من يريد بيع الخبز أن يعلم أنه لا يجوز بيع خبر البر بالبر ولا بدقيقه، وعلى من يريد الصرف أن يعلم أنه لا يجوز بيع درهم بدرهمين ونحو ذلك. وأما أصول العقائد فالاعتقاد المستقيم مع التصميم على ما ورد به الكتاب والسنة ففرض عين وأما العلم المترجم بعلم الكلام فليس بفرض عين، وما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يشتغلون به. قال الإمام: ولو كان الناس على ما كانوا عليه في صفوة الاسلام لما أوجبنا التشاغل به، وربما نهينا عنه، وأما الآن وقد ثارت البدعة ولا سبيل إلى تركها تلتطم فلا بد من إعداد ما يدعى به إلى المسلك الحق وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة المعقول وحل الشبهة من فروض الكفايات، وما نص عليه الشافعي من تحريم الاشتغال به، وقال: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشئ من علم الكلام محمول على التوغل فيه. وأما تعلم علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر فحرام، والشعر مباح إن لم يكن فيه سخف أو حث على شر وإن حث على التغزل والبطالة كره. (و) من فروض الكفايات القيام (بعلوم الشرع كتفسير وحديث) وسبق معناهما في كتاب الوصايا (والفروع) الفقهية الزائدة على ما لا بد منه (بحيث يصلح للقضاء) والفتيا كما في المحرر لشدة الحاجة إلى ذلك. فإن احتيج في التعليم إلى جماعة لزمهم، ويجب لكل مسافة قصر مفت لئلا يحتاج إلى قطعها. وفرق بينه وبين قولهم، لا يجوز إخلاء مسافة العدوي عن قاض بكثرة الخصومات وتكررها في اليوم الواحد من كثيرين بخلاف الاستفتاء في الوقائع، ولو لم يفت المفتي وهناك من يفتي وهو عدل لم يأثم فلا يلزمه الافتاء. قال في الروضة:
وينبغي أن يكون المعلم كذلك اه. وفرق بين هذا وبين نظيره من أولياء النكاح والشهود بأن اللزوم هنا فيه حرج ومشقة بكثرة الوقائع بخلافه ثم قال في الروضة: ويستحب الرفق بالمتعلم والمستفتي، أما تعلم ما لا بد منه من الفروع ففرض عين كما مرت الإشارة إليه.
تنبيه: من فروض الكفاية علم الطب المحتاج إليه لمعالجة الأبدان والحساب المحتاج إليه لقسمة المواريث والوصايا والمعاملات وأصول الفقه والنحو واللغة والتصريف وأسماء الرواة والجرح والتعديل واختلاف العلماء واتفاقهم وأما المنطق. فقال الغزالي: إن من جهله لا وثوق بعلمه، وقال غيره: يحرم الاشتغال به، ومر الكلام على ذلك في