المهاجرين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى، والعاصي لا يوعد بها، ولا يفاضل بين مأجور ومأزور، وأما قبل الهجرة فكان ممنوعا أول الاسلام من قتال الكفار مأمورا بالصبر على الأذى، وكذلك من تبعه بقوله تعالى * (لتبلون في أموالكم) * الآية. ثم هاجر إلى المدينة بعد ثلاث عشرة سنة من مبعثه، وقيل بعد عشرة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، فأقام بها عشرا بالاجماع، ثم أمر به إذا ابتدئ به بقوله تعالى: * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * ثم أبيح له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم بقوله تعالى * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) * الآية. ثم أمر به من من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) *. وقد غزا (ص) سبعا وعشرين غزوة قاتل فيها في تسع سنين كما حكاه الماوردي ففي مسلم عن زيد بن أرقم: أنه (ص) غزا تسع عشرة، وبعث صلى الله عليه وسلم سرايا، ولم يتفق في كلها قتال، فلنذكر من غزواته صلى الله عليه وسلم أشهرها:
ففي السنة الأولى من هجرته لم يغز، وكانت غزوة بدر الكبرى في الثانية، وأحد، ثم بدر الصغرى، ثم بني النضير في الثالثة والخندق في الرابعة، وذات الرقاع، ثم دومة الجندل، وبني قريظة في الخامسة، والحديبية وبني المصطلق في السادسة، وخيبر في السابعة، ومؤتة، وذات السلاسل، وفتح مكة، وحنين، والطائف في الثامنة، وتبوك في التاسعة على خلاف في بعض ذلك، والأنبياء معصومون قبل النبوة من الكفر لما روي أنه (ص) قال: ما كفر بالله نبي قط وفي عصمتهم قبلها من المعاصي خلاف وهم معصومون بعدها من الكبائر ومن كل ما يزرى بالمروءة، وكذا من الصغائر ولو سهوا عند المحققين لكرامتهم على الله تعالى أن يصدر عنهم شئ منها وتأولوا الظواهر الواردة فيها وجوز الأكثرون صدورها عنهم سهوا إلا الدالة على الخسة: كسرقة لقمة. قال في الروضة: واختلفوا هل كان (ص) قبل النبوة يتعبد على دين إبراهيم أو نوح أو موسى أو عيسى أو لم يلتزم دين أحد منهم؟ والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشئ لعدم الدليل انتهى. وصحح الواحدي الأول وعزى إلى الشافعي، واقتصر الرافعي على نقله عن صاحب البيان. وتوفي (ص) ضحى يوم الاثنين لاثني عشر خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة. (وقيل) كان الجهاد في عهده (ص) فرض (عين) لقوله تعالى * (انفروا خفافا وثقالا) * * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) * وقائله قال: كان القاعدون حراسا للمدينة، وهو نوع من الجهاد، وأجاب الأول بأن الوعيد في الآية لمن عينه النبي صلى الله عليه وسلم لتعيين الإجابة. وقال السهيلي: كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم لأنهم بايعوا عليه. قال شاعرهم:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وقد يكون الجهاد في عهده (ص) فرض عين بأن أحاط عدو بالمسلمين كالأحزاب من الكفار الذين تحزبوا حول المدينة فإنه مقتض لتعين جهاد المسلمين لهم فصار لهم حالان، خلاف ما يوهمه قوله (وأما بعده) (ص) (فللكفار حالان: أحدهما يكونون ببلادهم) مستقرين بها غير قاصدين شيئا من بلاد المسلمين (ففرض كفاية) كما دل عليه سير الخلفاء الراشدين، وحكى القاضي عبد الوهاب فيه الاجماع، ولو فرض على الأعيان لتعطل المعاش (إذ فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين) لأن هذا شأن فروض الكفايات وتعبيره بالسقوط ظاهر في أن فرض الكفاية يتعلق بالجميع وهو الصحيح عند الأصوليين، وقوله: من فيهم كفاية يشمل من لم يكن من أهل فرض الجهاد وهو كذلك، فلو قام به مراهقون سقط الحرج عن أهل الفروض. قال في الروضة: وسقط فرض الكفاية مع الصغر والجنون والأنوثة، فإن تركه الجميع أثم كل من لا عذر له من الاعذار الآتي بيانها.
تنبيه: أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة، ولقوله تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) * قال مجاهد: نزلت في الجهاد ولفعله صلى الله عليه وسلم منذ أمر به، ولان الجزية تجب بدلا عنه وهي واجبة في كل سنة فكذا بدلها، ولأنه فرض يتكرر، وأقل ما وجب المتكرر في كل سنة كالزكاة والصوم، فإن زاد على مرة