مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢١٣
دعاه قاض أو معذور بمرض ونحوه (وأداؤها) إذا تحمل أكثر من نصاب، فإن تحمل اثنان في الأموال فالأداء فرض عين، وسيأتي بيان التجمل والأداء في الشهادات مع مزيد إيضاح.
تنبيه: التحمل يفارق الأداء من جهة أن التحمل فرض كفاية على الناس والأداء على من تحمل دون غيره. قال الماوردي في باب الشهادات: وفرض الأداء أغلظ من فرض التحمل لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * الآية. (والحرف والصنائع) كالتجارة والخياطة والحجامة لأن قيام الدنيا بهذه الأسباب وقيام الدين يتوقف على أمر الدنيا حتى لو امتنع الخلق منه أثموا وكانوا ساعين في إهلاك أنفسهم لكن النفوس مجبولة على القيام بها فلا يحتاج إلى حث عليها وترغيب فيها، وفي الحديث: اختلاف أمتي رحمة وفسره الحليمي باختلاف الهمم والحرف.
تنبيه: عطف الصنائع على الحرف يقتضي تغايرهما مع أن صاحب الصحاح فسر الصناعة بالحرفة، فعلى هذا عطفها عليها كعطف رحمة على صلوات في قوله تعالى * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * وقال الزركشي:
الصناعات هي المعالجات كالخياطة والتجارة والحرف وإن كانت تطلق على ذلك، فتطلق عرفا على من يتخذ صناعا ويدولبهم ولا يعمل فهي أعم. (وما تتم به المعايش) التي بها قوام الدين والدنيا كالبيع والشراء والحراثة، لأن كل فرد من الافراد عاجز عن القيام بكل ما يحتاج إليه سمع النبي (ص) عليا رضي الله تعالى عنه يقول: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك فقال: لا تقل هكذا ليس من أحد إلا وهو محتاج إلى الناس قال فكيف أقول؟
قال: قل: اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك قلت: يا رسول الله ومن شر خلقه؟ قال: الذين إذا أعطوا منوا وإذا منعوا عابوا، وسمع (ص) أبا بكر رضي الله تعالى عنه يقول: اللهم إني أسألك الصبر، فقال: سألت الله البلاء فسله العافية. وسمع الإمام أحمد بن حنبل رجلا يقول: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك فقال: هذا رجل تمنى الموت (و) من فروض الكفايات (جواب سلام) لمسلم عاقل ولو صبيا مميزا (على جماعة) من المسلمين المكلفين. أما كونه فرضا فلقوله تعالى * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وأما كونه كفاية فلخبر أبي داود: يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم والراد منهم هو المختص بالثواب وسقط الحرج عن الباقين، وإن أجابوا كلهم كانوا مؤدين للفرض سواء كانوا مجتمعين أم مترتبين: كصلاة الجنازة، ولا يسقط الفرد برد الصبي المميز على الصحيح، فإن قيل سقط به فرض الصلاة على الجنازة فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن المقصود من الصلاة الدعاء والصبي أقرب إلى الإجابة، والمقصود من السلام الأمان والصبي ليس من أهله، ولا يسقط أيضا برد من لم يسمع السلام على المشهور، ولو سلم على جماعة فيهم امرأة فردت هل يكفي؟. ينبغي كما قال الزركشي بناؤه على أنه هل يشرع لها الابتداء بالسلام أم لا؟ فحيث شرع لها كفى جوابها، وسيأتي الكلام على ذلك وإلا فلا، ومثلها كما بحثه شيخنا الخنثى، واحترز بالجماعة عن الواحد فإن الرد عليه فر ض عين إلا إن كان المسلم أو المسلم عليه أنثى مشتهاة والآخر رجلا ولا محرمية بينهما فلا يجب الرد ثم إن سلم هو حرم عليها. أما إذا كان هناك نحو محرمية كزوجته وعبد المرأة بالنسبة إليها، ومثله كل من يباح نظره إليها فيجب الرد، ولا يكره على جمع نسوة أو عجوز لانتفاء خوف الفتنة، بل يندب الابتداء به منهن على غيرهن وعكسه، ويجب الرد كذلك، والخنثى مع المرأة كالرجل معها ومع الرجل كالمرأة معه ومع الخنثى كالرجل مع المرأة، ويشترط في الرد اتصاله بالابتداء لاتصال الايجاب بالقبول في العقد، فلو سلم جماعة متفرقون على واحد، فقال: وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم أجزأه ويسقط عنه فرض الجميع كما لو صلى على جنائز صلاة واحدة كما نقله في المجموع عن المتولي والرافعي وأقراه، بخلاف ما إذا لم يقصد الرد عليهم جميعا، وقضية هذا أنه لو طلق لم يكفه، والأوجه كما قال شيخنا خلافه، وظاهر كلام المجموع أنه لا فرق بين أن يسلموا دفعة واحدة متفرقين وهو كما قاله بعض المتأخرين ظاهر فيما سلموا دفعة واحدة. أما لو سلموا واحدا بعد واحد وكانوا كثيرين فلا يحصل الرد لكلهم إذ قد مر أن شرط حصول الواجب أن يقع متصلا بالابتداء ولا يجب الرد على مجنون وسكران
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548