باب الحدث في الكلام على الاستنجاء. قال الشارح: وعرف أي المصنف الفروع: أي بالألف واللام دون ما قبله لما ذكره بعده: أي وهو قوله بحيث يصلح للقضاء لئلا يتوهم عوده لما قبله أيضا، وهنا مؤاخذة على المصنف وهي إما أن يكون قوله: والفروع مجرورا بالعطف على تفسير، أو بالعطف على المجرور بالباء، وهو قوله بإقامة. فإن كان الأول اقتضى أن يكون بقي شئ من علوم الشرع لم يذكره ولم يبق شئ، وإن كان الثاني اقتضى أن الفروع ليست من علوم الشرع وليس مرادا، وقد يختار الأول، ويجاب عنه بأن الكاف استقصائية.
فائدة: قال الماوردي: إنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على من جمع أربعة شروط: التكليف، وأن يكون ممن يلي القضاء - أي حرا ذكرا لا عبدا وامرأة -، وأن لا يكون بليدا، وأن يقدر على الانقطاع بأن يكون له كفاية ويدخل الفاسق في الفرض، ولا يسقط به لأنه لا تقبل فتواه، وفي دخول المرأة والعبد وجهان: أوجههما الدخول لأنهما أهل للفتوى دون القضاء. (و) من فروض الكفايات (الامر بالمعروف) من واجبات الشرع (والنهي عن المنكر) من محرماته بالاجماع، إذا لم يخف على نفسه أو ماله أو على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع، أو غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا كما أشار إليه الغزالي في الاحياء كإمامه، ولا يختص بالولاة:
بل يجب على كل مكلف قادر من رجل وامرأة حر أو عبد وللصبي ذلك ويثاب عليه إلا أنه لا يجب عليه، ولا يشترط في الامر بالمعروف العدالة، بل قال الإمام: وعلى متعاطي الكأس أن ينكر على الجلاس، وقال الغزالي: يجب على من غصب امرأة على الزنا أمرها بستر وجهها عنه اه. والانكار يكون باليد، فإن عجز فباللسان ويرفق بمن يخاف شره ويستعين عليه فإن لم يخف فتنة، فإن عجز رفع ذلك إلى الوالي، فإن عجز أنكر بقلبه، ولا يشترط فيه أيضا أن يكون مسموع القول، بل على المكلف أن يأمر وينهى، وإن علم بالعادة أنه لا يفيد * (فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * ولا أن يكون ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر، ولا يأمر ولا ينهى في دقائق الأمور إلا عالم، فليس للعوام ذلك، ولا ينكر العالم إلا مجمعا على إنكاره، لا ما اختلف فيه إلا أن يرى الفاعل تحريمه، فإن قيل: قد صرحوا بأن الحنفي يحد بشرب النبيذ مع أن الانكار بالفعل أبلغ منه بالقول. أجيب بأن أدلة عدم تحريم النبيذ واهية، وبهذا فرق بين حدنا الشارب به وعدم حدنا الواطئ في نكاح بلا ولي، وإن ندب على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف برفق فحسن إن لم يقع في خلاف آخر أو في ترك سنة ثابتة لاتفاق العلماء على استحباب الخروج من الخلاف حينئذ. وليس لكل من الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر التجسس والبحث واقتحام الدور بالظنون، بل إن رأى شيئا غيره، نعم إن أخبره ثقة بمن اختفى بمنكر فيه انتهاك حرمة يفوت تداركها كالزنا والقتل اقتحم له الدار وتجسس وجوبا.
تنبيه: يجب على الإمام أن ينصب محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كانا لا يختصان بالمحتسب فيتعين عليه الامر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها، وكذا بصلاة العيد، وإن قلنا إنها سنة. فإن قيل قال الإمام:
معظم الفقهاء على أن الامر بالمعروف في المستحب مستحب، وهذا مستحب. أجيب بأن محله في غير المحتسب ولا يقاس بالوالي غيره ولهذا لو أمر الإمام بصلاة الاستسقاء أو بصومه صار واجبا، ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه ولا يناهم عما يرونه فرضا عليهم أو سنة لهم، ويأمر بما يعم نفعه كعمارة سور البلد وشربه ومعونة المحتاجين ويجب ذلك من بيت المال إن كان فيه مال، وإلا فعلى من له قدرة على ذلك، وينهى الموسر عن مطل الغني إن استعداه الغريم عليه، وينهى الرجل عن الوقوف مع المرأة في طريق خال، لأنه موضع ريبة بخلاف ما لو وجده معها في طريق يطرقه الناس، ويأمر النساء بإيفاء العدد، والأولياء بنكاح الأكفاء، والسادة بالرفق بالمماليك، وأصحاب البهائم بتعهدها، وأن لا يستعملوها فيما لا تطيق، وينكر على من تصدى للتدريس والفتوى والوعظ، وليس هو من أهله ويشهر أمره لئلا يغتر به وينكر على من أسر في صلاة جهرية أو زاد في الاذان وعكسهما، ولا ينكر في حقوق