يؤجر ويعير ويورث عنه ويوصي بها، ولهذا عبر المصنف بالمنفعة دون أن ينتفع، فإنه لو قال: أوصيت لك بأن تنتفع به حياتك أو بأن تسكن هذه الدار أو بأن يخدمك هذا العبد إباحة لا تمليك فليس له الإجارة ولا الإعارة في أصح الوجهين، ويفارق ما مر بأنه هنا عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب فاقتضى قصوره على مباشرته بخلافه ثم.
تنبيه: إطلاقه المنفعة يقتضي عدم الفرق بين المؤبدة والمقيدة، وهو كذلك كما قطعا به في باب الإجارة، خلافا لما مشينا عليه هنا من أن الوصية المؤقتة إباحة فلا يؤجر. (و) يملك أيضا (أكسابه المعتادة) كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة ونحوها لأنها أبدال المنافع الموصى بها بخلاف النادرة كالهبة واللقطة لأنها لا تقصد بالوصية. وعن ابن عبد السلام أنه قال: ما زلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول هذا إنما ينتفع ويملك المنافع، فما الذي بقي لمالك الرقبة؟
حتى رأيت في المنام قائلا يقول: لو ظهر في الأرض معدن ملكه مالك الرقبة دون المنفعة اه. وله أيضا عتقه وبيعه من الموصى له. (وكذا مهرها) أي الأمة الموصى بمنفعتها لشخص إن زوجت أو وطئت بشبهة مثلا يملكه الموصى له، (في الأصح) لأنه من فوائد الرقبة كالكسب، وهذا ما في الروضة وأصلها عن العراقيين والبغوي، وجزم به الأكثرون.
والثاني، وهو الأشبه في الروضة وأصلها: أن مهرها لوارث الموصي. أما أرش البكارة إذا لم نقل بالاندراج فهو للوارث لأنه بدل جزء من البدن. ويحرم على الوارث وطئ الأمة الموصى بمنفعتها إن كانت ممن يحبل، لما فيه من خوف الهلاك بالطلق والنقصان والضعف بالولادة والحمل، بخلاف ما إذا كانت ممن لا يحبل، وقيل: يحرم مطلقا كما في المرهونة. وفرق الأول بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه وبأنه متمكن من رفع العلقة بأداء الدين بخلاف الوارث فيهما، ولا بد على الأول أن لا يعطل زمن الوطئ ما يستحقه الموصى له من المنفعة كما قاله الأذرعي، فإن وطئ فأولدها فالولد حر نسيب ولا حد عليه للشبهة. وعليه قيمته، ويشترى بها مثله لتكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له كما لو ولدته رقيقا وتصير أمه أم ولد للوارث تعتق بموته مسلوبة المنفعة، ويلزمه المهر للموصى له. وكذا يحرم وطؤها على الموصى له بمنفعتها، فلو وطئها فالولد حر نسيب، ولا حد كما جزم به في أصل الروضة هنا، وقال ابن الرفعة: إنه الصحيح، والأسنوي: إنه أوجه مما جزم به في الوقف أنه يحد كما يحد الموقوف عليه. والفرق أن ملك الموصى له بالمنفعة أتم من ملك الموقوف عليه، بدليل أنها يورث عنه كما مر ولا كذلك الموقوف عليه. قال الأذرعي: وهذا كله فيما لو أوصى له بمنفعتها أبدا، أما لو أوصى له بهامدة فالوجه وجوب الحد عليه كالمستأجر اه. والمعتمد كما قال شيخي أنه لا حد مطلقا.
ولو أحبلها الموصى له لم يثبت استيلادها لأنه لا يملكها وعليه قيمة الولد بناء على الأصح الآتي من أن الولد المملوك ليس كالكسب ويشترى بها رقيق، ويكون مثل الأمة رقبته للوارث ومنفعته للموصى له، وقيل: القيمة للوارث. ويجوز تزويج الموصى بمنفعته ومن يزوجه. قال في الوسيط: أما العبد فيظهر استقلال الموصى له به، لأن منع العقد للتضرر بتعلق الحقوق بالأكساب وهو المتضرر. وأما الأمة فيزوجها الوارث على الأصح لملكه الرقبة لكن لا بد من رضا الموصى له لما فيه من تضرره اه. وهذا الذي قاله في الأمة يأتي في العبد أيضا، فالوجه أنه لا بد من رضا الموصى له والوارث في الحالين كما قاله شيخي. (ولا ولدها) من نكاح أو زنا، فلا يملكه الموصى له بمنفعة أمه (في الأصح، بل هو كالأم منفعته له ورقبته للوارث) لأنه جزء من الأم فيجري مجراها. والثاني: يملكه الموصى له كالموقوفة. وفرق الأول بأن الملك في الموقوفة أقوى بدليل أنه يملك الرقبة على قول فقوي الاستتباع بخلافه هنا، كذا قيل. وهو كما قال شيخنا مردود بأن الموصى له بالمنفعة أبدا قيل فيه إنه يملك الرقبة أيضا، حكاه الماوردي وغيره. فالأولى أن يفرق بأن الواقف أخرج العين عن ملكه بالوقف على الأصح والموصي لم يخرجها، وإنما أخرج المنفعة، لكن المنفعة استتبعت العين في القول المذكور. (وله) أي الوارث (إعتاقه) أي العبد الموصى بمنفعته ولو مؤبدا، لأنه مالك لرقبته، وتبقى الوصية بحالها، ولا يرجع العتيق عليه بقيمة المنفعة لأنه ملك الرقبة مسلوبة المنفعة، ولا يصح أن يكاتبه ولا أن يعتقه عن كفارته لعجزه عن