النفس كملابسة القاذورات، (ليس كفء أرفع منه) واستدل لذلك بقوله تعالى: * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) * أي في سببه فبعضهم يصل إليه بعز وراحة، وبعضهم بذل ومشقة، وبقوله تعالى: * (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * قال المفسرون: كانوا حاكة ولم ينكر عليهم هذه التسمية. (فكناس وحجام وحارس وراع وقيم الحمام) ونحوهم كحائك، (ليس كفؤ بنت خياط) والظاهر أن هؤلاء أكفاء لبعضهم بعضا، ولم أر من تعرض لذلك. (ولا خياط بنت تاجر أو) بنت (بزاز) والظاهر أن كلا منهما كفء للآخر، ولم أر أيضا من ذكره: (ولا هما) أي التاجر والبزاز ( بنت عالم و) بنت (قاض) نظرا للعرف في ذلك، وصرح به ابن أبي هريرة بأن من أبوها بزاز أو عطار لا يكافئها من أبوه حجام أو بيطار أو دباغ قال الأذرعي: وإذا نظرت إلى حرفة الأب فقياسه النظر إلى حرفة الأم أيضا، فإن ابن المغنية أو الحمامية ونحوها ينبغي أن لا يكون كفؤا لمن ليست أمها كذلك لأنه نقص في العرف وعار اه. والأوجه عدم النظر إلى الأم. قال في الروضة: وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع، فإن الزراعة في بعض البلاد أولى من التجارة، وفي بعضها بالعكس اه. وذكر في البحر نحوه أيضا، وجزم به الماوردي، وينبغي كما قال الأذرعي الاخذ به. قال الأذرعي:
وعلى اعتبار ما ذكره في الكتاب ينبغي أن تكون العبرة بالعالم الصالح أو المستور دون الفاسق، وأما القاضي فإن كان أهلا فعالم وزيادة، وإن كان غير أهل كما هو كثير وغالب في القضاة في زماننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالاسلام ففي النظر إليه نظر اه. بل ينبغي أن لا يتوقف في مثل ذلك. قال في الأنوار: وإذا شك في الشرف والدناءة أو في الشريف والأشرف أو الدنئ والأدنأ، فالمرجع عادة البلد، والحرفة الدنيئة والفسق في الآباء، قال الشيخان: يشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنيئة أو مشهورا بالفسق مع من أبوها عدل كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم. قال الرافعي: والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب، فإن تفاخر الآباء هي التي يدور عليها أمر النسب. ونقل الأسنوي عن الهروي في إشرافه أنه لا أثر لما ذكر كولد الأبرص، وبه صرح جماعة منهم القاضي أبو الطيب والماوردي والروياني، والأوجه اعتباره كما تقدم في ولد الأبرص أيضا. فإن قيل: كيف يعد الرعي من الحرف الدنيئة مع أنها سنة الأنبياء في ابتداء أمرهم؟ أجيب بأنه لا يلزم من ذلك كونه صفة مدح لغيرهم، ألا ترى أن فقد الكتابة في حقه عليه الصلاة والسلام معجزة فتكون صفة مدح في حقه، وفي حق غيره ليست كذلك؟
وما تقدم في المتن معتبر في الكفاءة جزما. وأشار لما فيه الخلاف منها بقوله: (والأصح أن اليسار لا يعتبر) في خصال الكفاءة، لأن المال ظل زائل وحال حائل ومال مائل ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر. والثاني: يعتبر، لأنه إذا كان معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين، استدل له بقوله (ص): أما معاوية فصعلوك لا مال له. وقال الأذرعي: إنه المذهب المنصوص الأرجح دليلا ونقلا، وبسط ذلك. نعم على الأول لو زوج الولي بالاجبار معسرا بمهر المثل لم يصح التزويج كما مرت الإشارة إليه، وليس هذا مبنيا على اعتبار اليسار كما قاله الزركشي بل لأنه بخسها حقها فهو كتزويجها بغير كفء. ولا يعتبر أيضا الجمال والبلد ولا السلامة من عيب آخر منفر كالعمى والقطع وتشوه الصورة، وإن اعتبرها الروياني. وصحح في زيادة الروضة كون الجاهل كفؤا للعالمة، ورجح الروياني أنه غير كفء لها، واختاره السبكي ورد على تصحيح الروضة بأن المصنف يرى اعتبار العلم في الأب فاعتباره في نفس المرأة أولى اه. وهذا متعين، ولذلك أسقط ابن المقري ما في الروضة من روضه. قال في زيادة الروضة: وليس البخل والكرم والطول والقصر معتبرا. قال الأذرعي: وفيما إذا أفرط القصر في الرجل نظر. وينبغي أن لا يجوز للأب تزويج ابنته بمن هو كذلك، فإنه ممر تعير به المرأة اه.
فائدة: قال الإمام الغزالي: شرف النسب من ثلاث جهات: إحداها الانتهاء إلى شجرة رسول الله (ص) فلا يعادله شئ. الثانية: الانتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبهم ربط