السبكي، لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به، وهذا هو المعتمد. وقال الأسنوي: إنه بمجرد المرض يصير ضامنا لها حتى لو تلفت بآفة في مرضه أو بعد صحته ضمنها كسائر أسباب التقصيرات. ومحله أيضا في غير القاضي، أما القاضي إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته فلا يضمنه وإن لم يوص به لأنه أمين الشرع بخلاف سائر الامناء ولعموم ولايته، قاله ابن الصلاح، قال: وإنما يضمن إذا فرط. قال السبكي: وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا وإن مات عن مرض، وهو الوجه. وظاهر أن الكلام في القاضي الأمين، ونقل التصريح به عن الماوردي، أما غيره فيضمن قطعا. والضمان فيما ذكر ضمان التعدي بترك المأمور لا ضمان العقد كما اقتضاه كلام الرافعي. (إلا إذا لم يتمكن بأن) أي كأن (مات فجأة) أو قتل غيلة فلا يضمن لعدم تقصيره.
تنبيه: هذا الاستثناء منقطع فإنه لم يدخل في قوله: وإذا مرض مرضا مخوفا ولو لم يوص فادعى صاحبها أنه قصر وقال الوارث لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير، فالظاهر كما قال الإمام وأقراه براءة ذمته. قال الأسنوي: وهذا إنما قاله الإمام عند جزم الوارث بالتلف، فأما عند ذكره له احتمالا فإنه صحح الضمان اه. لكن شيخنا جعل هذا من الجزم، وصور عدم الجزم بقوله: بأن قال عرفت الايداع لكن لم أدر كيف كان الامر وأنا أجوز أنها تلفت على حكم الأمانة، فلم يوص بها لذلك فيضمنها لأنه لم يدع مسقطا. وصحح السبكي أنه لا يقبل قولهم في دعوى التلف والرد إلا ببينة، وسائر الامناء كالمودع في هذا الحكم، وقد أفتى ابن الصلاح بأن العامل إذا مات ولم يوجد مال الفراض بعينه في يده ضمن وهو أولى بالتضمين من المودع، لأن الوديعة ليس له التصرف فيها بخلاف القراض. (ومنها) أي عوارض الضمان، (إذا نقلها من محلة) إلى محلة أخرى، (أو) من (دار) إلى دار أخرى (دونها في الحرز) ولو كان حرز مثلها (ضمن) لأنه عرضها للتلف سواء أنهاه عن النقل أم عين له تلك المحلة أم أطلق، بعيدتين كانتا أم قريبتين لا سفر بينهما ولا خوف كما يؤخذ ذلك من إطلاق المصنف، لكن يستثنى من إطلاقه ما لو نقلها بظن الملك فلا يضمن كما قاله في الكفاية، بخلاف ما لو انتفع بها ظانا أنها ملكه فتلفت، فإنه يضمن كما نقلاه في أول باب الغصب عن الإمام وأقراه. (وإلا) بأن تساويا في الحرز أو كان المنقول إليه أحرز، (فلا) يضمن لعدم تفريطه. وخرج بدار ما لو نقلها من بيت إلى آخر في دار واحدة أو خان واحد فلا ضمان، وإن كان الأول أحرز كما قاله البغوي، ونقلها من كيس أو صندوق إلى آخر إن كان ذلك للمودع فحكمه كالبيت في النقل، وإن كان للمالك فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن، إلا إن فض الختم أو فتح القفل فيضمن في الأصح.
تنبيه: يستثنى من عدم الضمان مسائل: منها ما لو نقلها والطريق مخوف. ومنها ما لو نهاه المالك عن النقل ونقل بلا ضرورة. ومنها ما لو تلفت بسبب النقل كانهدام الدار المنقول إليها، قال الرافعي: والسرقة من المنقول إليه كالانهدام، قاله البغوي والمتولي، ومنها ما لو كان الحرز المنقول منه لمالك الوديعة ملكا أو إجارة أو إعارة وإن كان المنقول إليه أحرز إذا لم يخفف الهلاك، فإنه يضمن في هذه المسائل كلها. (ومنها) أي عوارض الضمان (أن لا يدفع متلفاتها) لوجوب الدفع عليه مع القدرة، لأنه من حفظها.
تنبيه: يستثنى من ذلك ما لو وقع في خزانة الوديع حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمن، كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فبادر لنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله كما نقله في الروضة كأصلها آخر الباب عن فتاوي القفال.
(فلو أودعه دابة فترك علفها) بإسكان اللام على المصدر، أو سقيها مدة يموت مثلها فيها بترك ذلك، (ضمنها) وإن لم تمت كما صرح به في الروضة كأصلها، ونقله المصنف في نكتة عن البغوي، سواء أمره المالك بعلفها وسقيها أم سكت لتعديه فإنه يلزمه ذلك لحق الله تعالى، وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبولها. وتختلف المدة باختلاف الحيوانات والمرجع إلى أهل الخبرة بها، فإن ماتت دون المدة لم يضمنها إلا إذا كان بها جوع أو عطش سابق وعلمه فيضمنها كما هو قضية